Search

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الأربعاء من الاسبوع الاول من الصوم الكبير

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الأربعاء من الاسبوع الاول من الصوم الكبير

تتضمن الحث على الصفح للمسيئين والنهى عن طلب الانتقام من المبغضين .

مرتبه على قوله تعالى بفصل الإنجيل :

" لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم . اغفروا يغفر لكم "

( لو 6 : 35 – 38 )

     إن سيدنا له المجد يأمرنا بالصفح عن المسيئين وأن لا ندينهم ولا نطلب الانتقام منهم فأى عفو نستحقه . بل أية عقوبة لا نستوجبها إذا وجدنا بعد هذه الوصايا ليس أننا لا نصفح عمن يسيئون الينا ولا ندعو لهم فقط . بل ونطلب إلى الله أن ينتقم لنا من أعدائنا . مع أنه تعالى قد نزع من مطيعيه كل ما يفسد المحبة التى هى أصل لكل الأعمال الصالحة .

     فينبغى لنا أن لا نتألم عندما يعاقبنا الله هنا ليؤدبنا إذا لم نعف نحن عمن يذنب الينا . ولكوننا نتفطن فى تلك دون هذه نقتتم كثيرا . أما لو حسبنا خطايانا يوما واحدا لعرفنا صغر ما لنا بالنسبة لعظم ما نستوجبه . مع أننا لكثرة هفواتنا وذلاتنا لا نقدر على معرفتها كلها بإستقصاء لو شئنا إحصاءها يوما واحدا . فإننا فى كل يوم نتوانى وقت الصلاة . وإن صلينا فلا نوفى الصلاة واجباتها كلها . نتعجرف فى أقوالنا . ونميل إلى حب الباطل . ونغتاظ ونحتقر إخواتنا ونقول لهم أقوالا مكروهة . وننظر بشهوة رديئة ونعمل أمثال هذه الشرور .

     وإذا كنا فى جزء من اليوم ونحن فى الكنيسة نفعل هذه كلها . فكيف تكون افعالنا إذا خرجنا من الميناء إلى لجة الشرور ؟ أعنى إلى اسواق المدينة ومعاملاتها واجتماعاتها . وإلى منازلنا وهمومها ومتاعبها .

     ومع هذا جميعه أيها الأحباء . فقد منحنا الله سبيلا سهلا يوصلنا إلى الخلاص . وهو الصفح عن ذنوب إخوتنا ألينا والمحبة لهم كما نحب أنفسنا . وليس فى هذا تعب جسيم . ولا غرامة مال . إذ ان إيثاره على غيره كاف . ولهذا قال بولس الرسول عندما ذكر الصلاة : " لا تجازوا أحدا عن شر بشر . معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس . إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس . لا تنتقموا لانفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانا للغضب . لانه مكتوب لى النقمة أنا أجازى يقول الرب . فإن جاع عدوك فاطعمه . وإن عطش فاسقه . إنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه . لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير " ( رو 12 : 17 – 21 ) .

     فتبصر يا أخى لو أن انسانا وهو يتضرع اليك أن ترحمه أبصر عدوه أتيا وكانا كلاهما عبديك . فعندما أقترب منه كف عن توسله إليك وانعطف إلى عمل المكروه بعدوه من شتم وضرب . أفما كان هذا الفعل يزيد غضبك عليه توقدا ؟

     هكذا أنت إذا توسلت إلى الله أن يغفر لك ويرحمك . إذا تذكرت عدزك الذى هو مؤاخيك فى عبودية سيدك فتركت تضرعك وانعطفت إلى أن تعمل معه كل ما يمكنك فى حقه من المكروه . وكنت فى قولك كأنك تضربه أشد الضرب بفعلك . ومخالفا لامر سيدك أيضا ولذلك يزيد غضبه عليك . أما يكفيك مخالفة أوامره لك بأن تماثله فى أفضاله بإيثارك مكافأة الإساءة بأمثالها ؟ حتى تطلب منه تعالى أن يماثلك فى شر قساوتك بأن يعمل لك فى عدوك مرادك . أتراه نسى أوامره لك بمماثلته فى الإحسان إلى الاخيار والاشرار ؟ أو خرج عن عادة إحسانه هذا كما نسيتها أنت وأهملتها ؟ .

     إن هذا لجهل عظيم أن تسأل الحكيم فى ما قد نهاك عنه وأمرك بالإبتعاد منه . ولا فائدة تحصل لك البتة من فعلك هذا ولو قاصصه سيدك . لاسيما وانك بفعلك هذا قد منعته من معاقبته له . إذ قد عاقبته أنت بأعظم ما يمكنك أن تفعله عندما وقفت أمامه تعالى تدعو عليه بفمك بما أردته وشفيت به حرارة قلبك . وبذلك قد فعلت كل ما وصلت إليه قدرتك . بل وأشد منه كثيرا . إذ أنك استنجدت لفعل ما أردته به بذلك الذى هو أشد منك قدرة . وقد فعلت هذا بجهل كثير إذ انك قد استنجدته فى ما أمرك بخلافه .

     فينبغى لنا أن نكف عن هذا السقم والجنون . والجنون . وأن نوضح للذين يحزنوننا ذلك الحب الذى أمرنا به سيدنا حتى نشابه أبانا الذى فى السموات . وسنكف عن ذلك إذا تذكرنا خطايانا وتفحصنا هفواتنا الباطنة والظاهرة . لأننا إن كنا لا نطالب هنا حتى ولا بهفوة واحدة . فنحن مؤهلون لمقابلة عدله على تضجرنا وتهاوننا ههنا . حيث الرسل يبشرون . والأنبياء يتنبأون . والملائكة يسبحون . وإلهنا يخاطبنا ونحن تائهون . فلا نقتبل شرائع الهنا بهدوء وسكون وكذلك الهدوء الذى نستعمله فى الملاعب أو امام الملك أو الحكام . لأنه إذا قرئت أوامر الملك الارضى فأن وزراءه وكل الشعب يقفون إجلالا بوقار ويسمعون ما يقال . فإن صاح صائح فى أثناء ذلك الهدوء فإنه يقابل مقابلة من سب الملك . أما إذا قرئت هنا الكتب المنزلة من السماء فيكون صياحكم عظيما من سائر الجهات . على أن صاحب هذه الكتب هو أعظم من الملك الارضى كثيرا جدا . ومشهده أشرف بكثير من مشهد تلك الملاعب . لانه ليس هو ملك الناس فقط . بل هو ملك الملائكة ايضا والدنيا بأسرها .

     فسبيلنا ايها الاحباء أن نكون حكماء ودعاء . محبين لأعدائنا . محسنين إلى مضطهدينا . داعين لمن يسئ الينا . مكملين بهذا إرادة سيدنا . عاملين بحسب أوامره . مقابلين إحسانه الينا بطاعتنا له . وما يعسر علينا اتمامه من وصاياه فلنتممه بمسامحة إخواتنا فى العبودية وعطفنا عليهم . لأنه قال جل وعز : " كونوا رحماء كما أن اباكم ايضا رحيم ولا تدينوا فلا تدانوا ولا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم . اغفروا يغفر لكم " ( لو 6 : 36 و 37 ) . وبهذه الفضائل نستريح عاجلا ونستفيد آجلا . و لربنا المجد إلى أبد الآبدين . آمين .