الصفحة الرئيسية
قراءات أحد الشعانين
الخروج يكتمل في أورشليم لهذا لا بد من عبور نهر الأردن لدخول أرض الموعد، أرض ميراثنا الجديد. لا بد أن يجتاز المسيح أريحا، فيُسقِط أسوارها أولا، ويدمر حصون الخطية قبل الصعود لأورشليم. إنجيل باكر يقدم لنا لقاء المسيح مع زكا في أريحا حيث سقطت أسوار الخطية تحت قدمي يشوع الجديد. تحت شجرة المعصية وقف آدم ينتظر الخلاص. وبعد آلاف السنين وقف ابنه زكا في نفس موقع المعصية تحت الشجرة، وإذ أرهقته السنون بالشر حتى قصرت قامته الروحية لأقصى حد، "طلب أن يرى يسوع من هو؟" (لو 3:19). لذلك أتى ابن الإنسان يسوع، ليلتقي الله فيه بالبشرية ممثلة في زكا. تم اللقاء بكل الخطاة في أريحا علي مستوي الصليب فوق شجرة التعدي والمخالفة، ثم أكمله في أورشليم بالصليب إذ حول العقوبة خلاصاً.
نبوات سبت لعازر الأربعة أعدت لدخول المسيح أورشليم أما مزمور العشية فهو النبوة الخامسة الهامة لهذا الحدث. "آه يا رب خلص (أوصنا)، آه يا رب أنقذ. الرب هو الله وقد أنار لنا أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح" (مز 118: 25، 27). هذا المزمور الذي ترنمت به الجموع عند استقبال المسيح في دخوله لأورشليم هو إعلان أن الذبيحة الحقيقية تدخل إلى المذبح لتوضع تحت الحفظ ليوم الخلاص العظيم. الكنيسة ترنم بهذا المزمور الجميل في كل يوم أحد عند تقدمة الحمل (هليلويا هذا هو اليوم الذي صنعه الرب... يا رب خلص) وبذلك تعلن دخول الذبيحة إلى المذبح كما تعلن دخول المسيح كرئيس كهنة ليقدم الذبيحة الواحدة الأبدية، ولهذا يسجد كل الشعب لرئيس الكهنة الأعظم عندما يرفع الكاهن الحمل قائلا "مجدا وإكراما...".
البولس (عب 9: 11– 28) يشرح نفس الفكر اللاهوتي فيقدم المسيح رئيس الكهنة في يوم الكفارة العظيم الذي يدخل إلى الأقداس "ليكفر عن الخطية بذبيحة نفسه". فدخول المسيح لأورشليم هو دخول رئيس الكهنة الذي كان يعتكف بالهيكل أسبوع قبل يوم الكفارة ليعد نفسه للحدث (حسب التقليد اليهودي) وبذلك التقت في المسيح ذبيحة الكفارة بذبيحة الفصح، "وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذي ليس من هذه الخليقة...." المسيح هو الهيكل ورئيس الكهنة والذبيحة في نفس الوقت.
الكاثوليكون يقدم دائما التطبيق العملي للقراءات من، 1بط 4: 1– 11 "فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد تسلحوا أنتم أيضا بهذه النية فإن من تألم في الجسد كف عن الخطية."
الأناجيل الأربعة تقدم المسيح الملك بن داود، يدخل أورشليم ليقيم مملكة داود الأبدية على الأرض ليجمع فيها الكل إلى واحد. القراءات تقدم المسيح الملك ورئيس الكهنة والذبيحة.
الخروج ومعناه الروحي:
المسيح خرج من عند الآب لبرية العالم، "وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلى أورشليم (لو 51:9)، "اللذان ظهرا بمجد (موسى وإيليا) وتكلما عن خروجه الذي كان عتيدا أن يكمله في أورشليم" (لو 31:9). خروج السيد المسيح أكمله في أورشليم بالموت والقيامة وانطلاقه للسماء للجلوس عن يمين الآب. خروجنا أيضا يكتمل في أورشليم بالشركة في موته وقيامته. رحلة الخروج تبدأ يوم سبت الرفاع وتختم بدخول أورشليم يوم أحد الشعانين ليكتمل خروجنا بالعبور (الفصح) من أورشليم الأرض لأورشليم السماوية. في أيام القديس أثناسيوس كان سفر الخروج يقرأ في يوم السبت العظيم (الرسالة الفصحية الرابعة).
إنجيل يوحنا يشرح لنا المعنى الروحي للخروج، "لهذا يفتح البواب والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويُخرِجها. ومتى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته." (يو 10: 3-4). ثم يقول، "أنا هو الباب إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل (ميلادنا الجديد بسر التجسد) ويخرج (الخروج مع المسيح في سر الفداء) ويجد مرعى (الروح القدس في سر الكنيسة)." (يو 9:10).
ونلاحظ الآتي:
أن الخروج يتطلب دخول من الباب أولا، "إن دخل بي أحد"، الباب هو المسيح والدخول به، أي إلى داخل الباب في الكنيسة أي جسده. فهنا إشارة للعضوية في جسد المسيح التي أكملها لنا في سر تجسده. هنا يضع حرف "إن" الشرطي، فالدخول إختياري، وكل ما يعقب ذلك يتطلب أولا الدخول باختيارنا في عضوية جسده أولا لنصير من خرافه.
الخراف تسمع صوته أولا فيفتح البواب لتدخل. وصوته هو الكلمة المقدسة. ثم تعتاد الخراف على الصوت وتميِّزه به وتسمع له فتتبعه. وكل صوت يختلف عن الكلمة المقدسة ترفضه الخراف ولا تسمع له، "وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء." (يو5:10). "قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر" (عب 14:5). معرفة صوت الراعي وتمييزه علامة تميِّز الخراف نفسها، فمن لا يعرف صوت الراعي ليس من الخراف.
ويدعوها بأسماء لأنها خِرافُه، "...وأعطيه حصاة بيضاء وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ" (رؤ 17:2).
"ويُخرِجها" نلاحظ أن الدخول حدث أولا قبل الخروج "ومتى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها والخراف تتبعه". الدخول تم باختيار حر أما الخروج فالرعي هو الذي يُخرِج خرافه الخاصة ويتقدمهم. ثم يقول، "إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى". من يدخل يخلص. الدخول بإرادة حره يتبعه الدخول من الباب لحظيرة الخراف التي هي الكنيسة شركة جسد المسيح ثم يخرج من جسد الخطية لحرية مجد أولاد الله بشركة الصليب والموت بالمعمودية، وشركة قيامته.
"New King James" يترجم، "يدخل ويخرج ويجد مرعى" "Go in and out" وكأن الموضوع باب مفتوح للدخول والخروج من نفس البابا. اللفظ اليوناني exele¢usetai يعني الخروج فيه وليس الخروج منه. إن دخل بي أحد فلا يعود ليخرج من نفس الباب وإلا لما كان هناك معنى لدخوله والانتماء لحظيرة خراف المسيح التي هي الكنيسة، فنصير في المسيح يسوع. أما الخروج الذي يعنيه الكتاب فهو المسيح يخرج بنا إلى حرية مجد اولاد الله، ونحن نخرج فيه للنصرة بالصليب في سرالفداء.
أما عبارة ويجد مرعى فتعني أن خروجه هو للمراعي الخضراء وفي ذلك إشارة للروح القدس العامل في سر الكنيسة. وبذلك فالدخول من الباب ثم الخروج للمراعي الخضر إشارة لأسرار التجسد، والفداء، وسر الكنيسة. وهذه الأسرار الثلاثة هي أسرار التدبير الإلهي للخلاص وهي موضوع القراءات التي تقدمه الكنيسة في الفصول الثلاثة للسنة القبطية.