المقالات
زيارة العائلة المقدسة
ولد السيد المسيح له المجد فى قرية بيت لحم حسب نبوة ميخا النبى القائل: " اما انت يا بيت لحم افراتة و انت صغيرة ان تكوني بين الوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على اسرائيل و مخارجه منذ القديم منذ ايام الازل" (مى5: 2).
وفور ميلاده ظهر نجم فى بلاد المشرق أى بلاد فارس يبشر بميلاده كان قد أعلمهم به نبيهم بلعام بن بعور قائلاً: "اراه و لكن ليس الان ابصره و لكن ليس قريبا يبرز كوكب من يعقوب و يقوم قضيب من اسرائيل فيحطم طرفي مواب و يهلك كل بني الوغى" (عدد 24: 17) وكان مجوس هذه البلاد علماء فى الفلك ورصدوا النجوم فعرفوا النجم وجهزوا أنفسهم لرحلة طويلة إلى أورشليم ليروا المولود ويقدموا له هدايا رمزية ذهباً ولباناً ومراً.
استغرقت التجهيزات والرحلة ما يقرب من سنتين حتى وصلوا إلى أورشليم حيث الملك هيرودس وسألوا فى المدينة: "" قائلين اين هو المولود ملك اليهود؟ فاننا راينا نجمه في المشرق و اتينا لنسجد له. 3- فلما سمع هيرودس الملك اضطرب و جميع اورشليم معه. 4- فجمع كل رؤساء الكهنة و كتبة الشعب و سالهم اين يولد المسيح. 5- فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا مكتوب بالنبي. 6- و انت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لان منك يخرج مدبر يرعى شعبي اسرائيل. 7- حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا و تحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. 8- ثم ارسلهم الى بيت لحم و قال اذهبوا و افحصوا بالتدقيق عن الصبي و متى وجدتموه فاخبروني لكي اتي انا ايضا و اسجد له" (مت 2: 1 – 8) وكان فى الحقيقة يريد أن يعرف مكانه لكى يقتله ويتخلص منه ظاناً أنه سيغتصب منه المملكة.
ذهب المجوس إلى بيت لحم والنجم يرشدهم حتى جاء ووقف فوق البيت الذى كان الطفل يسوع مع أمه العذراء القديسة الطاهرة مريم ويوسف النجار الشيخ الكبير خادم سر التجسد الإلهى فخروا وسجدوا للطفل يسوع وفتحوا كنوزهم وقدموا له هداياهم الرمزية ذهباً ولباناً ومراً. الذهب لأنه ملك الملوك ورب الأرباب واللبان لأنه رئيس الكهنة الأعظم ومراً علامة على موته المحيى الذى سيقاسيه من أجل خلاصنا.
ولما هموا بالرجوع إلى هيرودس أوحى إليهم فى حلم أن لا يرجعوا فى نفس الطريق فانصرفوا فى طريق أخرى إلى كورتهم (مت2: 12).
" و بعدما انصرفوا اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم و خذ الصبي و امه و اهرب الى مصر و كن هناك حتى اقول لك لان هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه فقام و اخذ الصبي و امه ليلا و انصرف الى مصر.و كان هناك الى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني" (مت2: 13- 15).
وقد تنبأ أشعياء النبى عن هذه الرحلة المباركة قبل حدوثها بحوالى 700 سنة كما جاء فى الأصحاح 19 من سفر إشعياء حيث قال: "وحي من جهة مصر هوذا الرب راكب على سحابة سريعة و قادم الى مصر فترتجف اوثان مصر من وجهه و يذوب قلب مصر داخله" (إش19: 1).
" في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر و عمود للرب عند تخمها" (إش 19: 19)
المذبح ما زال موجوداً فى دير المحرق فى محافظة أسيوط فى وسط أرض مصر تماماً. والعمود هو مارمرقس الرسول الذى بشر فى الإسكندرية عند التخم الشمالى (الحدود الشمالية لمصر وهى الأسكندرية).
كذلك قول الرب على فم إشعياء النبى: "مبارك شعبى مصر" (إش19: 25).
المحطة الأولى
كان مبدأ رحلة الهروب إلى أرض مصر من بيت لحم فهى المحطة الأولى ونقطة الإنطلاق.
وبيت لحم كانت قرية صغيرة على بعد 6 أميال جنوب أورشليم وهى مسقط رأس داود النبى والملك ومسقط رأس السيد المسيح الإله المتجسد لأجل خلاصنا وفيها قبر راحيل وما زالت فيها كنيسة المهد حيث ولد ربنا يسوع المسيح.
المحطة الثانية : برية سيناء
وصلت العائلة المقدسة إلى حدود مصر الشمالية الشرقية ، إلى رفح المصرية ثم الشيخ زويد ثم العريش ثم بيلوزيوم أو بالوظا وتسمى الآن الفرما بالقرب من بورسعيد وكل هذه المحطات فى صحراء سيناء المصرية وبالقرب من ساحل البحر الأبيض المتوسط.
لا توجد أى آثار فى المحطات الثلاث الأولى سوى أعشاب تنبت فى هذه المناطق يسمونها المرمرية وأعتقد أن اسمها الأصلى هو المريمية نسبة إلى العذراء مريم التى قد تكون شربت منها أثناء مرورها فى هذه الأماكن لأنها أعشاب تشبه الشاى الأخضر تغلى فى الماء وتحلى بالسكر فتكون شراباً لذيذاً ومفيداً.
أما الفرما والتى تبعد عن البحر الأبيض ثلاثة كيلومترات داخل سينا فيوجد بجوارها مكان يسمى تل الفرما ويجد بها أنقاض قلعة قديمة وبقايا أعمدة أثرية قديمة كما توجد آثار لدير السيدة العذراء والقديس إيسيذوروس الفرمى ويسمى تل الكنائس.
وقد وافق دخول العائلة المقدسة سيناء على حدود مصر يوم 24 بشنس الموافق أول يونيو وأعتبرت الكنيسة هذا اليوم هو عيد دخول السيد المسيح أرض مصر وما زالت تحتفل به سنوياً حتى الآن وهو من الأعياد السيدية الصغرى فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
المحطة الثالثة: تل بسطا
وصلت العائلة المقدسة إلى مدينة تل بسطا وهى الآن مدينة أثرية على أطراف مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية. كانت تسمى مدينة الآلهة لأنها كانت مليئة بالمعابد الوثنية التى عندما دخلت العائلة المقدسة إليها سقطت تلك الأوثان وتحطمت وخاف الناس من هذه الظاهرة وذلك حسب نبؤة إشعياء: " فترتجف اوثان مصر من وجهه و يذوب قلب مصر داخلها" (إش19: 1) ولما علم الناس أن هذا حدث بسبب دخول هذه العائلة مدينتهم طردوها ولم يستقبلوها بإكرام، لكن السيد المسيح أنبع بئراً ليشرب منه هو ووالدته ويوسف النجار قبل طردهم من المدينة, وهذا البئر هو أول بئر أنبعه السيد المسيح أثناء رحلته فى أرض مصر وقد وصلت هذه الآبار إلى 18 بئراً ما زال بعضها باقياً حتى الآن.
المحطة الرابعة: مسطرد
تقع مسطرد الآن على أطراف القاهرة الكبرى وهى تابعة لمحافظة القليوبية وكنيستها تابعة لإيبارشية شبرا الخيمة.
زارت العائلة المقدسة منطقة مسطرد وأنبع الرب يسوع فيها بئراً شربوا منه جميعاً وحمّت فيه العذراء طفلها الإلهى لذلك تسمى بالمحمّة كذلك غسلت الملابس من ماء البئر. وفيها كنيسة أثرية يأتى إليها الشعب كثيراً خصوصاً فى صوم السيدة العذراء.
المحطة الخامسة: بلبيس
ومن مسطرد إنتقلت العائلة المقدسة شمالاً نحو الشرق إلى مدينة بلبيس وهى حالياً إحدى مراكز محافظة الشرقية. وهناك إستظلت تحت شجرة سُميت شجرة مريم ويوجد حالياً فى بلبيس كنيسة قديمة.
المحطة السادسة: سمنود
سمنود حالياً إحدى مراكز محافظة الغربية وبها كنيسة أثرية على اسم السيدة العذراء والشهيد أبانوب النهيسى تابعة لإيبارشية المحلة الكبرى وهى كنيسة أثرية قديمة.
غادرت العائلة المقدسة بلبيس شمالاً حتى وصلت إلى سمنود فلاقت ترحيباً كبيراً حينما أقام السيد المسيح ميتً فابتهج أهل المدينة. ومكثت العائلة المقدسة مدة من الزمن فى سمنود فأهدت إحدى النساء العذراء ماجوراً من الحجر عجنت فيه العذراء عجيناً لتعمل خبزاً لها ولباقى العائلة، وما زال هذا الماجور موجوداً فى فناء الكنيسة مغطى بالزجاج، كما يوجد فى فناء الكنيسة بئر شربت منه العائلة المقدسة ويوضع الآن من مائه فى الماجور بركة للزوار.
المحطة السابعة: سخا
سخا الآن إحدى مراكز محافظة كفر الشيخ بالقرب من ساحل البحر الأبيض المتوسط.
خرج الركب من سمنود متجهاً إلى سخا، اسمها القبطى (بيخا إيسوس) أى قدم يسوع وتم إختصاره إلى سخا.
فى هذا المكان وقف السيد المسيح على صخرة فانطبعت قدم رجليه اليمنى على الصخرة وما زالت قطعة الصخرة وعليها آثار قدم السيد المسيح الصغيرة محفوظة فى الكنيسة فى فاترينة زجاجية حتى الآن مكتوب عليها عبارة "الله واحد". كذلك إنفجر فى المكان بئر ماء ليشربوا منه.
بُنى فى هذا المكان ديراً للرهبان كان يسمى دير المغطس ظل حتى القرن الثالث عشر ولما هدم واندثر بنيت مكانه الكنيسة الحالية.
المحطة الثامنة: وادى النطرون
من مدينة سخا عبرت العائلة المقدسة نهر النيل فرع رشيد إلى غرب الدلتا وجاءت إلى وادى النطرون.
وادى النطرون وادى مستطيل بالصحراء الغربية فى محافظة البحيرة طوله حوالى 60 كيلومتراً وعرضه حوالى إثنى عشر كيلو متراً وكان يسمى فى العصر الفرعونى سختى همام أى وادى الملح لأن به بحيرات مياه شديدة الملوحة وكان الفراعنة يستخرجون منها ملح النطرون اللازم لعمليات تحنيط أجساد الموتى.
أثناء مرور العائلة المقدسة بهذه الصحراء القاحلة عطشوا فأنبع الرب يسوع عين ماء عذب شربوا منها واستراحوا، وظلت هذه العين يتدفق منها الماء العذب حتى الآن وسميت عين العذراء وصار اسمها فيما بعد عين الحمراء بسبب بناء قرية بجوارها أسموها قرية الحمراء تعتمد فى كل ما تحتاجه من مياه على هذه العين. وبسبب تدفق الماء بغزارة من هذه العين على أرض مالحة حولها تكونت بحيرة مالحة تغمر مياهها مئات الأفدنة وتستخدم مياهها فى شفاء بعض الأمراض المستعصية مثل مرض الصدفية.
وتيمناً ببركة العائلة المقدسة التى زارت وادى النطرون بدأت فيه الرهبنة من حوالى سنة 330م على يد القديس مكاريوس الكبير الذى جاء من إحدى قرى المنوفية القريبة من الوادى وسكن فى مغارة بالطرف الغربى من الوادى حيث يوجد الآن دير البرموس.
أول من ترهب وتتلمذ للقديس مكاريوس "انبا مقار" أخوان روميان هما مكسيموس ودوماديوس إبنان لملك الروم، وتنيحا بعد قليل ولما أنشأوا الدير أسموه باسمهما البرموس أى الخاص بالروميين.
ولما كثر عدد الرهبان فى هذا الدير تركه انبا مقار تحت إشراف بعض تلاميذه مثل الأنبا إيسيذوروس والأنبا بفنوتيوس وذهب وسكن فى الطرف الشرقى لوادى النطرون وكون جماعة رهبانية اخرى أخذت اسم دير الأنبا مكاريوس أو أنبا مقار.
إشتهر دير أنبا مقار خصوصاً فى القرون الوسطى وتخرج منه بطاركة أكثر من 15 بطريرك على الكنيسة القبطية. أما دير البرموس فهو دير كبير ومشهور وتخرج منه فى القرنين 19، 20 بطاركة عظام ومعمرون.
فى منتصف المسافة بين ديرىّ البرموس وأنبا مقار نشأ ديران كبيران هما دير القديس الأنبا بيشوى ودير السيدة العذراء السريان. زهما بالقرب من إستراحة الرست هاوس على الطريق الصحراوى القاهرة – الإسكندرية.
دير الأنبا بيشوى نشأ فى القرن الخامس على يد القديس الأنبا بيشوى. وفى العصر الحديث صار مشهوراً بسبب أن البابا شنودة الثالث أنشأبه مقراً بابوياً ضخماً كان يقضى فيه ما يقرب من ثلاثة أيام فى الأسبوع للخلوة والإستجمام. ولما تنيح فى 17 مارس 2012م دُفن بداخل الدير فى مدفن خاص وصار هذا المدفن متحف لمتعلقاته وأصبح هذا المدفن مزاراً مشهوراً.
بعد ذلك جاء قداسة البابا تواضروس الثانى من دير القديس الأنبا بيشوى واتخذ نفس المقر البابوى مقراً له وأضاف عليه الكثير من المبانى والكنائس وطوره وحسنه وهو يقضى به بعض الأيام للعبادة والراحة وفى ايام الأعياد والمؤتمرات أطال الله حياته للكنيسة والرهبنة.
أما دير السيدة العذراء السريان، فهو ملاصق لدير الأنبا بيشوى ويفصلهما سور، وقد بُنى فى القرن السادس على المغارة التى كان يتعبد فيها الأنبا بيشوى بالقرب من ديره وهى ياقية للآن وملاصقة للكنيسة الكبرى فى دير السريان.
تأسس هذا الدير باسم السيدة العذراء مريم والدة الإله، وهو من ضمن أديرة الثيؤطوكوس التى تأسست بعد مجمع أفسس 431م لتثبيت عقيدة الثيؤطوكوس.
وقد إشتهر بلقب دير السريان لأن فى القرن الثامن جاء رهبان من الكنيسة السريانية الرثوذكسية الشقيقة وسكنوا فيه بعض الوقت فاشتهر باسمهم وجمع بين الاسمين "دير السيدة العذراء الشهير بالسريان".
إشتهرت برية شيهيت أو إسقيط مكاريوس فى وادى النطرون بأنها مدرسة رهبانية عالية المستوى فجاء إليها رهبان من جنسيات ودول متعددة ليتعلموا الرهبنة على أيدى شيوخها ومعلميها وسكنوا فى أديرة بجوار الرهبان الأقباط فيوجد هنا فى البرية دير السريان ودير الأحباش ودير الأرمن ودير النوبيين.
يشتهر دير السريان بكثرة رهبانه المتوحدين والعلماء كما يشتهر بمكتبته الضخمة من مخطوطات ومطبوعات ودوائر معارف بلغات متعددة مثل الغربية والقبطية واليونانية والسريانية والحبشية والإنجليزية والفرنسية وغيرها.
فى العصر الحديث تخرج من رهبان هذا الدير قداسة البابا شنودة الثالث الذى رفع اسم الكنيسة القبطية عالياً فى كل العالم بعلمه الغزير وروحانياته، كما تخرج من الدير عدد كبير من المطارنة والساقفة المشهورين بالعلم والتقوى.
المحطة التاسعة: منطقة المطرية وعين شمس
إتجهت العائلة المقدسة من وادى النطرون إلى منطقة المطرية وعين شمس.
عين شمس منطقة قديمة كانت تسمى أيام الفراعنة مدينة أون وكان بها جامعة مشهورة يدرس فيها كهنة المصريين القدماء وابناء الملوك وقد تزوج يوسف الصديق أسنات ابنه كاهن أون (تك41: 45)
بمعرفة الملك فرعون قبل أن يوليه على شئون مصر كلها. وهى مدينة الشمس كما ذكر فى نبؤة إشعياء (19: 18) وسماها اليونانيون أثناء إحتلالهم لمصر "هليوبوليس" أى مدينة الشمس.
وصلت العائلة المقدسة إلى المطرية بالقرب من عين شمس فأنبع الرب فيها عين ماء شربوا منها وغسلت العذراء ثياب الطفل يسوع وصبت الماء على الأرض فنبت نبات عطرى جميل الرائحة اسمه البلسم أو البلسمان وما زال يوجد بالمنطقة شارع اسمه شارع البلسم.
استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة كبيرة تُعرف إلى اليوم باسم شجرة مريم توجد بقاياها الآن فى نفس المكان وزرعت بجوارها أشار أخرى من نفس الفصيلة ما زالت خضراء وحولها سور كبير يحوى الشجرة والبئر وهى مزار سياحى هام. زارتها الملكة أوجينى ملكة فرنسا وتباركت منها عند زيارتها لمصر لحضور إحتفال إفتتاح قناة السويس، وزارها بعض الجنود الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية وتباركوا من ماء البئر وبعضهم شُفى من أمراضه وكتبوا أسماءهم وتشكراتهم على الشجرة.
المحطة العاشرة: الزيتون
من المطرية إتجهت العائلة المقدسة إلى منطقة الزيتون حيث ارتاحت فيها قليلاً، وبعد عشرين قرناً ظهرت العذراء فى كنيستها فى شارع طومانباى بالزيتون وذلك فى 2 أبريل 1968م وظلت تظهر على هذه الكنيسة حوالى سنة كاملة ورآها مئات الآلاف من الناس من كل الأديان والأجناس وصارت هذه الكنيسة مزاراً عالمياً حتى الآن وتحتفل الكنيسة القبطية فى سنة 2018م بمرور خمسين عاماً على هذا الظهور العظيم باحتفالات عظيمة تليق بصاحبة الظهور العذراء مريم والدة الإله.
المحطة الحادية عشر: حارة زويلة
جاءت العائلة المقدسة إلى منطقة حارة زويله وشربت من بئر هناك وفى القرن الرابع أرشد الله رجل قبطى ثرى اسمه الحكيم زيلون ببناء كنيسة فى هذا المكان حول البئر، أما عن اسم زويلة فحينما جاء جوهر الصقلي و أنشأ مدينة القاهرة جاءت معه بعض القبائل منها قبيلة زويلة من المغرب و أسكنها في هذة المنطقة فتسمت باسمها. وتسمت الكنيسة باسم "كنيسة العذراء حالة الحديد" تبركاً بمعجزة حل الحديد فى السجن الذى كان محبوساً فيه القديس متياس أحد الرسل الاثنى عشر فى آسيا الصغرى وانصهار حديد أسلحة حراس السجن ونجاة متياس الرسول بصلوات العذراء مريم، ومازالت هذه الكنيسة تعمل عيداً سنوياً ونهضة تذكاراً لهذه المعجزه فى 21 بؤونه الموافق 28 يونيو من كل عام.
هذه الكنيسة عريقة أثرية من القرن الرابع وظلت مقراً ل 23 بطريركاً من بطاركة الكنيسة القبطية ولمدة حوالي 360 سنة.
يوجد بجوار هذه الكنيسة ديران للراهبات واحد باسم دير السيدة العذراء والآخر دير الشهيد مارجرجس. تعيش الراهبات فى هذه الأديرة على أثر العذراء مريم التى باركت هذه البقعة. فالراهبات نذرن قلبهن للمسيح وجسدهن للبتولية ويعشن حياة العبادة والتجرد والالتصاق بالله تشبهاً بالعذراء مريم التى باركت هذا المكان.
المحطة الثانية عشر: كنيسة العذراء العزباوية
غادرت العائلة المقدسة منطقة حارة زويلة فى طريقها إلى منطقة مصر القديمة التى كانت تقع على شاطىء النيل مباشرة، وفى طريقها مرت على منطقة الأزبكية بالقاهرة وفيها بُنيت الكنيسة المرقسية الكبرى والمقر البابوى فى القرن الثامن عشر وأصبحت مقراً لتسعة من بابوات الكنيسة القبطية لمدة تزيد عن 150 سنة كل هذا ببركة زيارة مرور العائلة المقدسة على هذه البقعة.
وبجوار الكنيسة المرقسية الكبرى توجد كنيسة العذراء العزباوية وسميت العزباوية لأنها تقع فى حارة أو عطفة صغيرة تسمى عطفة العزبة وتتفرع هذه العطفة من حارة أكبر تسمى حارة الجنينة. وأسماء الجنينة والعزبة تثبت أن هذه المنطقة كانت أرضاً زراعية وقت أن مرت عليها العائلة المقدسة وفيها جنينة من أشجار الفواكه وعزبة زراعية لأحد الفلاحين الأغنياء، كما يوجد فى مدخل مبنى العزباوية بئر يقال أن العائلة المقدسة شربت منه، عليه لوحة رخامية تقول "بئر العذراء مريم" والمكان كله فى طريق مرور العائلة المقدسة من المطرية إلى مصر القديمة. وقد حدثت فى هذا المكان معجزة عظيمة عملتها العائلة المقدسة أثناء مرورها فى هذا المكان وهى كالآتى:
مرت العائلة المقدسة بهذا المكان وكان حقلاً (عزبة وجنينة) فوجدوا فلاحاً مصرياً يزرع حقله ببذور البطيخ، فرحب بهم وسقاهم من البئر الذى يروى الحقل، ومازال البئر موجوداًفى مدخل مبنى العزباوية وأثناء إستراحتهم فى المكان قالت العذراء مريم للفلاح الطيب: غعلم أيها الرجل أننا هاربون من وجه هيرودس ملك اليهودية لأنه يريد قتل هذا الطفل البرىء، وكلمته عن السيد المسيح وسر التجسد الإلهى فتأثر الرجل من كلامها ورق قلبه لحديثها العذب الروحانى وللطفل البرىء.
ثم قالت له: بقوة ابنى يسوع المسيح ستحدث معجزة وأعجوبة فى حقلك هذا ستراها باكراً عندما ترجع لحقلك هذا. واعلم كذلك انه فى الغد سيمر عليك رجال يسألونك عنا ويذكرون لك أوصافنا (عائلة فيها رجل شيخ وفتاة صغيرة ومعهما طفل صغير ومعهم حمار يركبونه فى سفرياتهم) فقل لهم أن العائلة بهذه الأوصاف قد مرت علىَّ لما كنت أضع بذور البطيخ فى الأرض. ثم إنصرفت العائلة المقدسة إلى منطقة مصر القديمة وإختبأت فى المغارة الموجودة الآن بكنيسة أبو سرجة. وإنصرف الفلاح إلى بيته بعد أن ودعهم بسلام. وفى الغد رجع الفلاح إلى حقله فوجد البطيخ الذى زرعه بالأمس بطيخاً كبيراً وكثيراً وجيداً كما أخبرته العذراء أنه ستحدث فى حقله معجزة وقد رآها الآن بعينيه فجلس متفكراً فى هذا الأمر.
وبعد ساعات قليلة وصل الرجال المرسلين من هيرودس للقبض على العائلة المقدسة وسألوا الرجل عن العائلة المقدسة وأدلوا بأوصافها فقال لهم الفلاح: إن عائلة بهذه الأوصاف مرَّت علىَّ لما كنت أضع بذور البطيخ فى الأرض (وذلك حسب ما أوصته السيدة العذراء) فلما سمع الرجال كلام الفلاح ونظروا إلى البطيخ حزنوا وقالوا إذن مرت فى هذا المكان منذ ثلاثة أو أربعة أشهر وهكذا رجعوا خائبين ونجت العائلة المقدسة من أيديهم.
المحطة الثالثة عشر: كنيسة أبو سرجة مصر القديمة.
وصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة وحطت رحالها فى مغارة أسفل الأرض بجوار حصن حربي قديم اسمه حصن بابليون ومكثت فى هذه المغارة ثلاثة أشهر.
تحولت هذه المغارة إلى كنيسة صغيرة بُنيت فوقها كنيسة كبيرة على اسم القديسين الشهيدين سرجيوس وواخس وصار لها لقب كنيسة أبو سرجة وهي كنيسة مشهورة يقصدها السواح من كل بلاد العالم للتبرك بمكان عاشت فيه العائلة المقدسة فترة من الزمان.
ويوجد بالكنيسة بئر قديم شربت منه العائلة المقدسة، كذلك يوجد بالكنيسة مغطس عميق منذ عصر الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي منع الأقباط من الإحتفال بعيد الغطاس على شاطىء النيل وذلك ضمن اضطهاده العنيف لهم، فاضطرت بعض الكنائس إلى حفر حفرة عميقة فى مدخل الكنيسة وتبطينها وكانوا يملأونها بالمياه فى عيد الغطاس ويصلون عليها صلوات لقان الغطاس ثم ينزل فيها بعض الشبان بملابسهم تيمناً وتبركاً بهذه المياه وهذه المناسبة السعيدة.
كنيسة أبو سرجة من أقدم الكنائس التى بُنيت فى مصر وبجوارها كنيسة مماثلة لها فى القدم وهى الكنيسة المعلقة التى بُنيت على سطح سقف برجين من أبراج الحصن الرومانى وهى على اسم السيدة العذراء، ويتوسط الكنيستين المعلقة وأبى سرجة المتحف القبطى الذى أنشأه سميكة باشا أحد أثراء الأقباط محبى التراث وأصبح الآن تابعاً لوزارة الآثار.
تحتفل كنيسة أبو سرجة سنوياً بعيد دخول السيد المسيح أرض مصر فى 24 بشنس الموافق أول يونيو الذي نتمنى أن يكون قريباً عيداً قومياً تحتفل به مصر كلها فى هذا التاريخ من كل عام.
المحطة الرابعة عشر: كنيسة العذراء المعادى
وصلت العائلة المقدسة إلى المعادى على شاطىء النيل حيث بُنيت بعد ذلك فى هذا المكان كنيسة باسم السيدة العذراء العدوية لأن من هذا المكان عبرت (عدت) العائلة المقدسة وركبت مركباً فى النيل لتذهب إلى الصعيد. وسُميت المنطقة كلها منطقة المعادى.
لما كان هذا المكان فى البداية بعيداً عن القاهرة نشأ فيه دير للرهبان باسم دير العذراء العدوية ولما صارت منطقة المعادى فى قلب العمران لم يعد المكان صالحاً لسكنى الرهبان الذين يعشقون الوحدة والهدوء فى الصحاري والقفار فتحول الدير إلى كنيسة لخدمة الشعب.
مكثت العائلة المقدسة فى هذا المكان عدة أيام حتى دبرت مركباً تذهب به إلى الصعيد. ويوجد فى فناء الكنيسة فتحة تؤدى إلى سلم يؤدى إلى مياه النيل ويقال أن منه ركبت العائلة المقدسة المركب إلى الصعيد.
فى صباح يوم 12 مارس 1976م رأى الناس بعد خروجهم من القداس الإلهى فى هذه الكنيسة رأوا كتاباً مقدساً ضخماً عائماً على مياه النيل نتجهاً نحوالكنيسة حتى جاء ووقف أمام السلم الأثرى المؤدى للنيل فانتشلوه ووجدوه مفتوحاً على الأصحاح 19 من سفر إشعياء النبى حيث مكتوب فيه: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر"، كذلك مكتوب فيه: "مبارك شعبي مصر".
وضعت الكنيسة هذا الكتاب فى فاترينه زجاج داخل مقصورة بالكنيسة وهو مفتوح كما هو، وما زال موجوداً بالكنيسة مما يؤكد مجىء العائلة المقدسة إلى مصر ومرورها فى هذا المكان.
المحطة الخامسة عشر: قرية دير الجرنوس
قرية دير الجرنوس تابعة لمركز مغاغة محافظة المنيا وتبعد عن مدينة مغاغة إلى جهة الغرب أكثر من 20 كيلو متر. كل سكانهامن المسيحيين بها كنيسة قبطية من القرن التاسع عشر بداخلها بئر عميقة شربت منها العائلة المقدسة أثناء تواجدها فى هذا المكان.
المحطة السادسة عشر: البهنسا
وهى قرية كبيرة تابعة لمركز بنى مزار محافظة المنيا، وتبعد عن مدينة بنى مزار حوالى 17 كيلو متر إلى جهة الغرب وهى على حافة الصحراء الغربية بجوار بحر يوسف وكل سكانها من المسلمين، وكانت فى القديم إيبارشية مسيحية كبيرة بها أديرة كثيرة للرهبان وأخرى للراهبات، كذلك كان يوجد بها كنائس كثيرة.
يوجد بها الآن داخل سور المسجد شجرتان كبيرتان مكتوب عليهما شجرة مريم. وهذا المكان من الأماكن التى زارتها العائلة المقدسة.
المحطة السابعة عشر: دير العذراء بجبل الطير سمالوط
دير جبل الطير يطل على النيل شرق مدينة سمالوط وله عدة أسماء:
1- دير جبل الطير: كانت تأتى إلى هذا المكان طيور غريبة فى موسم معين وتستقر فيه مدة من الزمان فى الشتاء نظراً لدفء المكان.
2- دير البكرة: كانت توجد على حافة الجبل بكرة، وكل من يريد الوصول إلى الدير يصل عن طريق مركب فى النيل ثم يصعدونه إلى الدير داخل صندوق خشبى مربوط بحبل فى البكرة ويشدونه إلى أعلى عن طريق هذه البكرة، وقد يستخدمونها للحصول على الماء من النيل أسفل الدير مباشرة.
3- دير الكف: يروى الميمر أنه عندما كانت المركب التى تقل العائلة المقدسة تسير فى النيل تحت هذا المكان مباشرة إذا بصخرة تتدحرج من أعلى الجبل لتسقط فى النيل على المركب ولكن الطفل يسوع مد يده نحو الصخرة وسندها بيده فلم تسقط وانطبع كف يده على تلك الصخرة لذلك سُمى هذا المكان دير الكف. وما زالت هذه الصخرة وعليها كف السيد المسيح وهي موجودة فى أحد المتاحف البريطانية نقلوها إلى هناك أثناء الإحتلال البريطانى لمصر.
والكنيسة الأثرية للدير محفورة فى الجبل، فقد جاءت إلى هذا المكان الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين فى القرن الرابع وأمرت بنحت كنيسة فى صخرة الجبل لتكون كنيسة باسم السيدة العذراء وفى الكنيسة عمود صخرى فى قلبه معمودية حجرية محفورة فى العمود.
ويعتبر دير العذراء بجبل الطير من أهم مزارات العائلة المقدسة فى مصر.
المحطة الثامنة عشر: الأشمونين بملوى
بعد أن باركت العائلة المقدسة جبل الطير عبرت النيل إلى الناحية الغربية واتجهت لمنطقة الأشمونين والأشمونين من المدن المصرية القديمة وتشتهر بالآثار من كل العصور، وهي غنية بالأديرة والكنائس والشهداء والقديسين، ومن أشهر أساقفتها الأنبا ساويرس ابن المقفع فى القرن العاشر وفى عهده حدثت معجزة نقل الجبل المقطم بالقاهرة، وهو الذي جمع سير وتاريخ البطاركة من القديس مارمرقس مؤسس الكنيسة القبطية إلى بطاركة القرن العاشر.
المحطة التاسعة عشر: مير
ارتحلت العائلة المقدسة إلى مير وهي قرية ما زالت بنفس الاسم تبعد عن القوصية بحوالى 7 كيلو متر نحو الغرب. وقد أكرم أهل مير العائلة المقدسة أثناء وجودها فى وسطهم فباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء، وما زالت البركة فى هذه القرية حتى الآن وتضرب بها الأمثال.
المحطة العشرون: جبل قسقام (حيث يوجد الآن دير المحرق)
ومن مير ارتحلت العائلة المقدسة إلى جبل قسقام، وكانت منطقة جبلية يكثر فيها نبات الحلفاء فكانوا يحرقونه ويدفنونه فيها لذلك سميت قسقام ومعناها (مدفن الحلفاء) ويوجد فيها الآن دير السيدة العذراء المحرق وهي أهم وأخر المحطات وقد استقرت فيها العائلة المقدسة أكثر من ستة أشهر. وفى هذا المكان ظهر الملاك للقديس يوسف النجار وقال له: "قم وخذ الصبي وأمه واذهب الى ارض اسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي" (مت2: 20)
كنيسة السيدة العذراء الأثرية بدير المحرق هى المكان الذي مكثت فيه العائلة المقدسة هذه المدة كلها، وكانت وقتها عبارة عن بيت ريفى بسيط، ومذبح هذه الكنيسة هو الحجر الذي كان يرقد عليه الرب يسوع كل هذه المدة، ولما بُنيت الكنيسة جعلوا هذا الحجر هو قرص الذبح وهو باق كما هو حتى الآن، وعن هذا المذبح تنبأ إشعياء النبى قبل الميلاد بنحو 700 سنة قائلاً: "يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر" (إش19: 19) وتمت النبوة بحذافيرها. فدير المحرق ومذبح العذراء فى الدير يقع فى منتصف أرض مصر تماماً ومصر تقع فى قلب العالم وهكذا بركة المذبح تمتد إلى العالم أجمع.
بُنيت هذه الكنيسة فى أواخر القرن الأول المسيحى وجاء السيد المسيح مع رسله الأطهار من السماء ودشن هذا المذبح بيده الطاهرة. لذلك لما أراد أحد البطاركة تدشينه ظهرت له العذراء مريم وقالت له: إن السيد المسيح هو الذي دشنه بيده الطاهرة فلا يحتاج لتدشين آخر وهكذا امتنع البابا عن تدشين المذبح.
وتحتفل الكنيسة بعيد تدشين هذا المذبح بيد السيد المسيح يوم 6 هاتور الموافق 15 نوفمبر حسب السنكسار القبطى.
المحطة الحادية والعشرون: دير السيدة العذراء بجبل أسيوط
لما سمعت العائلة المقدسة أمر العودة إلى موطنهم ارتحلت من جبل قسقام إلى ناحية الجنوب إلى جبل أسيوط، ويبدو أنه قريباً من النيل حيث الميناء ومرسى السفن التى تجوب النيل شمالاً وجنوباً وفى هذا الجبل مكثت عدة أيام فى مغارة بأعلى الجبل حتى تتوفر فرصة سفينة مسافرة إلى شمال مصر.
وهذه المغارة هى عبارة عن مغارة متسعة فى وسطها كنيسة على جبل عالى هو جبل أسيوط ويبعد عن أسيوط بحوالى 8 كم وهي تعود لعصر الفراعنة الذين فرغوا الجبل من الحجارة ليبنوا بها معابدهم ويلجأون إلى المغارة يسكنون فيها أيام فيضان النيل.
مكثت العائلة المقدسة فى هذه المغارة عدة أيام حتى وجدت مركباً مسافراً فى النيل إلى بحرى أى شمال البلاد فركبت فيه وهكذا بدأت رحلة العودة إلى أرض فلسطين حسب أمر الملاك ولكى تتم نبوة هوشع النبى القائل: "من مصر دعوت ابنى" (هو11: 1)
بركة العائلة المقدسة فلتكن معنا آمين