Search

حياة راهب متوحد

حيــاة راهـــب متـــوحـد

حياة الوحدة فى الرهبنة

 

الوحدة هى درجة عالية فى الرهبنة يصل اليها الراهب بعد أن يكون قد مر بفترة المجمع وأختبر حروبه وأكتسب فضائله .

" المتوحد هو الراهب الكامل الذى وصل الى درجة الرهبنة الكاملة بمعناها الدقيق إذ أن الكلمة القبطية اليونانية "موناخوس" التى يترجمونها عادة بالكلمة العربية " راهب " هى فى الواقع تفيد حرفياً كلمة متوحد مما يدل على أن هدف الرهبانية الحقيقى هو التوحد المطلق "

والمتوحد هو الطراز من الرهبان صار يحب الوحدة والعزلة التامة عن الناس وحتى عن أخوته الرهبان ويسمى أحياناً " الراهب الحبيس " لأنه يحبس نفسه فى قلايته عن حب ورغبة صادقة عارمة فى الوحدة والأنفراد والأختلاء التام بالله أياماً قد تصل إلى أسبوع أو أكثر وقد يترك الدير بإذن من مرشده الى مغارة فى الجبل ليمارس فيها حياة الوحدة ويعود الى الدير فى فترات متباعدة ويزداد شيئاً فشيئاً فى نسكه وتقشفه وأكتفائه بأقل القليل من الطعام والشراب والنوم كما ينمو فى حياة السكون والصلاة بلا انقطاع وتذداد نفسه وقلبه صفاء ونقاء ..

ويقول مار اسحق عن المتوحد " يبعد الإنسان ذاته ويحدد لنفسه قانوناً أنه فى مدة الأسبوع لا يخرج بالكلية من قلايته وبعد ذلك يتدرج إلى سكون أعلى الذى هو كل الأيام وإن أراد وأستطاع أن يكمل حياته بالسكون الكلى والأنقطاع الدائم فحسنا يفعل "

ويقول مار أسحق أيضاً " يحتاج الذى يجلس فى الوحدة والحبس والسكون الى هذه الأشياء الثلاثة : الى الغرض المستقيم والى تكميل خدمة الأوقات والى المرشد .

القصد المستقيم مهم لأن بدونه جميع عمل الفضيلة باطل وليس له مكافأة والقصد المستقيم هو أنه من أجل الله ومن أجل محبته يسكن المتوحد فى الهدوء والحبس ولا ينتظر بفكره أن يأخذ أجر أعماله شيئاً من هذا العالم لا نياحاً جسدياً ولا ربحاً بشرياً ولا رئاسة ولا تدبيراً ولا مدحاً ولا مجداً ولا كرامة بل يكون كل قصده أن يؤهل لحب ربنا الكامل ولنظره بالروح "

ثمار الوحدة والسكون

 

" المتنسك الذى يتغصب ويصبر مدة فى السكون والوحدة بالأختفاء عن الوجوه تبطل عنه العوائد والتدابير الأولى والتخيلات التى هى ربطات النفس .

ففى مدة من الزمان تمحى من القلب الصور والرسوم والتذكارات الغريبة التى هى خارجة عن سيرة السكون وتصطبغ النفس بالفضائل الكبار التى هى السلام والأتضاع والهدوء والمحبة والوداعة والفرح والعزاء الروحى وهذه الفضائل ترسم فى النفس الصلاة الروحانية ومن موافقة هذه الفضائل يؤهل المتوحد بالرحمة الإلهية الى اتحاد العقل بالله "

   شروط السكون والوحدة   :

 

1– الصوم والهذيذ : الصوم ينقى العقل ويلطف الجسم ويجعل الأنسان قادراً على الصلاة الدائمة والهذيذ بلا انقطاع ويقول مارإسحق " السكون هو مبرد الآلام الوحشية ومميت التذكارات الباطلة ومجدد العقل العمال إذا ما قرن به هذان الأمران وهما الصوم وهذيذ العقل على الدوام بأسرار العالم الجديد وربط الضمير بلا إنقطاع بذكر الله "

2 – جمع العقل : جمع العقل عن الأمور الخارجة عن تدبير المتوحد وأهتمامه بحياته الخاصة مهم جداً فى الوحدة ويقول مارإسحق " كذلك أيضاً نجمع عقلنا من الأهتمامات الجسدانية ومن ملامة الغريب والحقد عليه وعلى الدوام نسمره على الصليب ونحرص ألا ينحل من هناك . ونضبط حواسنا من الطموح فى الأفعال التى تطيش العقل وتشتته لكى نتمكن من جمع فكرنا بداخل قلبنا بذكر ربنا ونظر مجده .

3 – غلق الأبواب الثلاثة : يقول مارأسحق : " ثلاثة أبواب مفتوحة إذا ما أغلقناها وكانت تحت سلطاننا نجد داخلها المسيح الملك : باب القلاية وباب الحواس وباب القلب الجوانى بحفظ حقانى .

     كيف يحفظ السكون   :

 

 

يحفظ السكون بالبعد عن الخلطة وبالصمت والتجرد وحفظ الحواس وجمع العقل وهذا يستلزم الحبس فى القلاية والمسكن البعيد المنفرد وفى الواقع إن كل هذه الوسائط مرتبطة بعضها ببعض كأنها سلسلة واحدة لأنه لا يمكن أن يحفظ السكون بدون جمع العقل من طياشة الأفكار ومن كثرة الأهتمامات ليتركز فى الله وحده ولا يمكن جمع العقل بدون حفظ الحواس لأن الحواس الطائشة تجلب له مناظر وسماعات وأفكار وحروباً وأهتمامات كثيرة ولا يمكن أن يحفظ الأنسان حواسه إن كان جسده طائشاً من مكان إلى آخر فلابد له إذن من الحبس فى القلاية ويشترط للحصول على المنفعة من حبسه البعد عن الإختلاط بالآخرين لأنه حسبما يختلط الجسد يختلط الفكر ويتشتت من عمله الإلهى ..

أمثلة للوحدة والسكون :

من حياة القديسين

1 – القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب الرهبان :

يقول قداسة البابا شنودة الثالث : " لا نستطيع أن نتأمل فى حياة الأنبا أنطونيوس دون أن تتذكر حياة الوحدة والسكون التى عاشها وثمار هذه الوحدة فى حياته وفى تعاليمه .

لقد ذكر عنه القديس أثناسيوس الرسولى أنه قضى ثلاثين سنة فى وحدة كاملة لا يرى فيها وجه إنسان .

فى هذه الوحدة أختبر ثمار السكون وأمكنه أن يفرغ ذهنه من تذكارات العالم وأخباره وتفاهاته لكى يملأ هذا الذهن بالله وحده فلا يفكر إلا فيه " وقد انعكست حياته فى الوحدة والسكون على نظامه الرهبانى وفى تعاليمه لتلاميذه فى رسائله ونصائحه .

2 – القديس الأنبا مكاريوس الكبير :

حفر سردابا فى قلايته ووضع فيها مخبأ ذا طول مناسب يمتد من قلايته الى بعد نصف ميل وعند نهايته حفر مغارة صغيرة وعندما كانت تأتى اليه جموع كثيرة من الناس وتعكر وحدته كان يترك قلايته سراً ويمر فى السرداب دون أن يراه أحد ويمكث فى المغارة متوحداً مصلياً

3 – الأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك :

كان محباً للوحدة والصمت والهروب من الناس وكان يسكن فى مغارة تبعد عن الدير 32 ميلاً ووضع فى فمه حجراً صغيراً "زلطة" لمدة 3 سنوات حتى يتقن الصمت وقال مرة "كثيراً ماتكلمت فندمت أما عن السكوت فلم أندم قط " وقد رأى أحد الآباء الرهبان فى رؤيا سفينة تسير فى البحر سيراً هادئاً وبداخلها أنبا أرسانيوس وروح الله معه .

4 – مار إسحق السريانى :

ناسك عظيم سريانى الجنس كان محباً للوحدة والسكون وقضى أواخر حياته متوحداًببرية شهيت ووضع كتاباً ضخماً عن طقس الوحدة فى الرهبنة يعتبر من أروع الكتب فى هذا الموضوع وهناك بعض مقتطفات منه :

  1. السكون هو عمل الراهب فإذا فقد السكون إختلت حياته كراهب .
  2. الجوهر يصان فى الخزائن ونعيم الراهب داخل السكون والهدوء .
  3. السكون الدائم مع تدبير العقل لايبطىء كثيراً أن يوصل الأنسان الى ميناء الحياة والفرح .
  4. لنحب الوحدة فهى التى توصلنا الى عدم الخطأ .
  5. إن أفضل صلاح يمكن أن يفعله الأنسان فى هذا العالم هو الصلاة الطاهرة كيف يذوق المتوحد حلاوة السكون أن لم يسبق ويذوق مرارته .
  6. إذا أردت ان تجد الحياة غير الفاسدة فى هذه الحياة القصيرة أدخل السكون بإفراز وفتش وأفحص عن عمل السكون ولاتجرى على الأسم فقط بل تعمق وأهتم بلجاجة لتدرك مع جميع القديسين ماهو أرتفاع هذا العمل وعمق هذه السيرة الطاهرة .

كمثل عينى النوتى ترصد النجوم هكذا المتوحد نظره شاخص داخله فى كل تدبير سيرته حسب القصد والغرض الذى وضعه فى فكره منذ اليوم الأول الذى بذل فيه نفسه للسير فى بحر السكون الحرج إلى أن يجد الجوهرة التى من أجلها ألقى نفسه فى لجج هذا البحر الذى ليس له قرار وأنتظار الوصول الى أمله يهون عليه ثقل العمل والضوائق

 

DSC02285.JPGDSC02286.JPGDSC02291.JPGscan0001.jpgscan0004.jpgscan0005.jpgscan0006.jpgscan0007.jpg