الأربعين شهيداً بسبسطيه
الأربعين شهيداً بسبسطيه
كان هولاء الجنود الاربعون قد عرفوا بشجاعتهم وثباتهم في الحروب وانتصاراتهم ضد اعداء الدولة.
لما اشهر ليكينيوس قيصر العداء ضد الملك قسطنطين الكبير وجه كل همه الي اضطهاد المسيحين لميل الملك قسطنطين اليهم ودفاعه عنهم فاصدر امراً بالزامهم بانكار ديانتهم والتضحية للاوثان لئلا يعرضون انفسهم للقتل.
وكان اجريقول حاكم كبادوكية وارمنيا الصغري ينفذ هذه الاوامر القاسية بمنتهي الشدة كانت سبسطية مقره فيها قياده الجيش حيث توجد الفرقة النارية التي عرفت بالمطر الاعجازي الذي نالته من السماء ايام مارك اوريل وكان ليسياس قائدها.
رفض الاربعين جندياً الذبح للاوثان:
رفض اربعون جندياًمن هذه الفرقة ان يذبحوا للاوثان وكانوا من بلاد مختلفة وكلهم من الشباب الاقوياء الشجعان الذين عرفوا بخدماتهم الممتازة وعندما حضر ليسياس ودعا الجيش الي تنفيذ اوامر الامبراطور تقدم هؤلاء الشجعان نحو المحكمة واعترفوا بالمسيح الواحد بعد الاخر قائلين ((انامسيحي))
القديس باسيليوس يقول عنهم :
انهم كانوا مثل ابطال الرياضة الذين يتقدمهم تعيد اسمائهم في قائمة اللاعبين ولكن مع الفارق فلم يكونوا يتعصبون لاسماء عائلاتهم فلا يقولون انا فلان وفلان انهم جميعاً اسرة واحدة , اخوة الرب يسوع المسيح ويدعون بذات الاسم انا مسيحي
اغريقولا يحاول معهم ليبخروا للاوثان:
حاول اغريقولا اكتسابهم اولاً باللطف فقال لهم ان لديه الدلائل علي رفعة مقامهم وانه يعرف الوحدة القائمة بينهم ويعرف الاعمال الجليلة التي اتوها اثناء الحروب ويعرف اتجاه الامبرطور في الاعتراف بخدماتهم وسيتولي مكافاتهم بما يليق بعظمته فلو راغبوا في الاحتفاظ برضاء الامبراطور عليهم اطاعة ماجاء بمنشوره والا يفقدون العطايا التي يرجي نيلها وتقصر اعمارهم وهم في زهرة العمر.
فرد عليه القديسون قائلين: ((إذكنا قد حاربنا بهذه الشجاعة كما تقول من اجل امبراطور ارضي فماذا تظن اننا فاعلون الان والمسالة مسالة خدمة اله السماء ؟ تيقن اننا سوف نتصرف كشجعان ولن نترك ابداً النصيب الصالح واننا سوف ننتصر )) فهددهم اغريقولا من جديد قائلاً((ان لم تخضعوا فسوف يحطمهم تحطيماً ويحرمهم شرف حمل السلاح علي ان يعطيهم مهلة للتفكير ثم ارسلهم الي السجن فصلي هولاء الجنود الكرماء قائلين:
(( كما اخذنا منك نعمة النجاة من المخاطر والنصر في المعارك التي خضناها من اجل الامور الزائلة في ذلك الزمان هكذا الان اذ ندخل في المعارك من اجل مجدك لا ترفض ان تهبنا المعونة التي نحتاج اليها)) وقضوا الليل وهم يرتلون المزمور ((الساكن في عون العلييستريح في ظل اله السماء )) وفي ترايل ومديح للرب .
وظهر لهم الرب يسوع المسيح وقال لهم : ((لقد بداتم فحاولوا ان تكملوا حسناً استمروا حتي النهاية فان الاكليل لا يعطي الا للذين يثابرون ))
وفي الصباح استدعاهم الحاكم امام محكمته في حضور اصدقائهم من الجنود وبعد ان امتدح اعمالهم الحسنة ورفعة مقامهم حثهم علي النزول الي طلبه حتي بكون دلك مدعاة لصنع الخير لهم فيخصهم ببعض الوظائف مع زيادة رواتبهم ولما وجدهم لايتزعزعون ولا يعباون بوعوده او بتهديداته وكان احدهم يدعي كيريون يعظهم بهذه الكلمات:
((ايها الاخوة : لقد سر الله ان يجمعنا في شركة ايمان وجهاد واحدة فلا نفترق ابداً لا في حياتنا ولا مماتناوكما خدمنا الامبرطوار المائت معرضين انفسنا لالاف المخاطر في معارك مختلفة فلنخدم الان ملك السماء ونضحي بحياتنا من اجل محبته وسوف يكافئنا بالحياة الابدية التي لا يستطيع ليسينوس ان يهبها لنا كم من مرة في جهادنا ضد الاعداء طلبنا معونة الله واعطاها لنا ؟ اتظنون انه يرفض ان يعطينا معونته في الحرب المجيدة ؟ فلنلجا الي الصلاة ونتوسل الي ان الله امين انه سند المتالمين من اجل مجده )).
وبعد ستة او سبعة ايام وصل القائد ليسياس واقتادوهم امامه وكان كيريون يقول لهم وهم في الطريق ((لنا ثلاثة اعداء الشيطان والحاكم وقائد فرقتنا او بالحري ليس لنا سوي عدو واحد لايري يتخذ خدمه الاخرين ليقاتلنا بها وهل يستطيع واحد فقط ان يغلب اربعين جندياً من جنود يسوع المسيح ؟ هذا مستحيل فلن يهزمنا الا اذا كنا جبناء))
عذابات القديسين:
واضاع قائدهم وقتاً كثيراً وتكلم كثيراً لكي يحملهم علي ترك ايمانهم وتغيير عقيدتهم وكانوا ثابتين راسخين فامر ان يكسوا اسنانهم بالحجارة وشرع الجلادين في التنفيذ ولكن باذن من الله كانوا يجرحون انفسهم بدلاً من ان يصيبوا الشهداء حتي كان الدم ينزف من افوههم بينما جنود السيد المسيح باقون تغمرهم تعزيات السماء .
وعزا ليساس هذه المعجزة الي السحر والشعوذة فاخذ حجراً ورماه علي احد الشهداء ولكن هذا الحجر كانت تقودهيداً اقوي منه فبدلاً انيصيب الشهيد ضرب الحاكم فجرحه جرحاً خطيراً.
فاقتادوا الشهداء الكرماء من جديد الي السجن الي ان يخترعوا لهم عذاباً جديداًَ يعذبونهم به فحول القديسون هذا المكان المفزع الي هيكل مجيد بصلواتهم المتصلة وكانوا يرتلون مزمور (( اليك رفعت عيني ياساكن السماء)) (مز 122) .
السيد المسيح يظهر لهم في السجن :
ووسط صلواتهم ظهر لهم الرب يسوع المسيح وسمعوا صوته يقول (( من امن بي ولو مات فسيحيا)) ثقوا ولا تخافوا من العذبات التي تبقي قليلاً جاهدوا بشجاعة لكي تكللو ))
وقد تقوا جداً بظهور المخلص حتي انهم قضوا الليل كله في الصلاة في غبطة فائقة وفي الغد اقتادوهم امام الحاكم لكي يستمعوا اليه ينطق بالحكم باعدامهم امر الحاكم بان يطرحوا عراة في بحيرة قريبة من مدينة سبسطية حتي يموتوا بفعل الثلج من شدة برودة الجو واعد بجانب هذه البحيرة حمام ساخن حتي اذا اراد احد ان ينكر المسيح يذهب اليها وكان في تصرفه هذا اغراء كبير لهم فامام اعينهم وتحت تصرفهم ما يرفع اتعابهم واخيراً وضعوا حرساً حول البحيرة طوال الليل خشية تاخير القرار او تعطيل تنفيذه ارتاح المعترفين الشجعان الي سماع الحكم باعدامهم ولما وصلوا عند شاطئ البحيرة خلعوا ملابسهم بانفسهم بسرعة وكانوا يشجعون بعضهم بضعاً قائلين (( لقد نزع العسكر عن السيد المسيح والقوا قرعة عليها وتحمل هذا العذاب من اجل خطايانا وكانت عقولهم وقلوبهم متجة نحو الله وهم يقدمون انفسهم ضحايا لا تحترق في النار بل تجمد وسط الثلوج ولم يفتروا عن الصلاة الي الرب يسالون ان يخرجوا جميعاً منتصرين من المعركة كما دخلوهما وعددهم اربعون والا ينقص احد من هذا العدد المقدس.
احدهم يخرج الي الماء الساخن:
ولكن احتمال الماء المثلج بدا امراً صعباً جداً لاحدهم فهزمه الالم وخرج من البحيرة الي احدي الخزانات المليئة بالماء الدافي حتي يستدفئ فيها فمات بعد قليل وترك التسعة والثلاثين الاخرين في حسرة بالغة اذ فقدوا زميلهم البائس ولكنهم كانوا مصممين ان يفضلوا الموت علي ان ينكروا ايمانهم وكانوا يتحدثون بهذه المشاعر حتني كانت الساعة الثالثة من الليل فاضاء بغتة نور عظيم في المكان فذاب الثلج ودفئت ونزل الملائكة من السماء ومعهم تسعة وثلاثين اكليلاً فوضوعوها علي رؤوس التسعة والثلاثين معترفاً بالمسيح الباقين في البحيرة.
احد الحراس ياخذ الاكليل الاربعين :
وكان احد الحراس المنوط بهم حراسة الشهداء ماهراً يستدفئ بجانب الحمام فراي الاعجوبة عندما احصي عدد الاكاليل لاحظ انهم تسعة وثلاثون اكليلاً وليس اربعين فكان ذلك سبباً لفتح عينه واعتناق الايمان بيسوع المسيح فعزم علي اخذ مكان هذا الجندي فايقظ زملائه بسرعة وخلع ملابسه والقي بنفسه في البحيرة بين الشهداء القديسين صارخاً انا مسيحي وهكذا استجاب الله صلاة القديسين التي طلبوا فيها ان يظل عددهم اربعين في الجهاد وفي الصباح اذ علم اغريقولا بما حدث فاستشاط غيظاً فامر باخراج الشهداء من البحيرة وكان منهم من تنيح ومنهم لايزال يحتضر وهولا كانوا يكسورن سيقانهم بالعصي فيموتون واثناء ذلك كان هولاء المعترفون يرنمون المزمور ((نجت نفسنا مثل العصفور الفخ انكسر ونحن نجونا عوننا باسم الرب)).
القاء اجساد الشهداء في النار:
وحملوا اجسادهم علي عربة لكي يلقوها في النار ماعدا اصغرهم سناًً ميليتون اذ كان لايزال حياً فتركه الجلادون علي امل انه ربما يغير عزمه ولكن والدته كانت حاضرة فاخذته بين ذراعيها ووضعته مع الاخرين في العربة وهي تقول له (( يا ابني العزيز ثمرة بطني كم اكون سعيدة لو ضحيت بالقليل الباقي من حياتك من اجل يسوع المسيح اباكم يكون مباركاً حينئذ البطن الذي حملك تسعة اشهر والثديان اللذان رضعتهما تشجع يا قرة عيني وجاهد لتتمتع بالنور الابدي الذي يبدد ظلمات حزني ان الملاك الذي احضر لك الاكليل السمائى ينتظرك لكي يدخلك الي المجد فتالم ياابني اللحظة الباقية لكي تفوز باكليل الشهادة وبذلك اكون اسعد الامهات واكثرهن رضا لانه كما اعطاني الله اياك بنعمته يحق لي ان اسلمك له من اجل محبته )) .
كانت النعمة التي اوتيت هذه المراة وشجاعتها ترفعها فوق الطبيعة فنطقت بهذه الكلمات دون ان تسكب الدموع واصطحبت العربة حتي مكان المحرقة بوجه ملئ بالسرور .
اغريقولا يذري رمادهم في الهواء:
لم يكتف اغريقولا بحرق اجساد هولاء لكن خوفاً من ان يكرمهم المسيحون ذر رمادهم في الهواء ولقي بعظامهم في النهر وهكذا يقول القديس باسيليوس في مديحه لهم وبعد ان مروا في النار اغروقهم في الماء حتي تشترك العناصر الاربعة في مجد شهادتهم ولكن الله حفظ عظامهم فلم تنكسر ولم تفترق بل بقيت كاملة ووجدها المومنون .
عظام القديسين وبناء كنيسة لهم:
ومنذ ذلك الحين وزعت هذه الرفات المقدسة في كل مكان وبنيت الكنائس العديدة تكريماً لهم ويروي القديس اغريغوريوس ان بعض البلدان العالم المسيحي كان لديه بعض هذه الرفات المقدسة.
حمل باسيليوس واميلي والدي القديس باسيليوس الكبير والقديس اغريغوريوس وكانا اصلاً من مدينة سبسيطة رفات الاربعين شهيداً الي احدي اراضيهم القريبة من ايريس وبنت اميلي الكنيسة هناك تكريم لهم وعلي مساحة كبيرة من هناك اقامت دير للرهبات وكانت القديسة ماكرينا ابنتهما اول راهبه فيه وكذلك دير للرهبان كان ابنهما رئيساً له بعد ماصار اسقفاً لسبسطية ودفن باسيليوس واميلي في الكنيسة التي اقامها باسم الاربعين شهيداً واختارت ماكرينا ان تدفن فيه ايضاً وصار تكريم هولا الشهداء تقليداً في هذه العائلة فقد اعطي القديس باسيليوس من رفاتهم لاثنين من بنات اخوته كانتا رئيستين للراهبات في مدينة قيصرية وتوجد كنيسة علي اسمائهم في مدينة بريشيا في ايطاليا وتكريم مدن باريس وليون ورامس وبورج وفينا ومدن كثيرة في اوروبا رفات القديسين وتحتفل الكنيسة القبطية في 15 امشير بتذكار تكريس كنيسة الاربعين شهيداً التي كرسها القديس باسيليوس الكبير وهي اول كنيسة بنيت علي اسمهم السنكسار يوم 15 امشير .
ونقلت اجزاء من رفاتهم المقدسة الي القسطنطينية حيث بنيت كنيسة (440-451م)
كما يوجد اجزاء من رفاتهم في دير السيدة العذراء السريان ولهم كنيسة صغيرة باسمهم بجوار كنيسة السيدة العذراء الكبيرة بدير السريان.