الراهب أنطونيوس
الراهب أنطونيوس
ذهب خادم الرب يسوع نظير جيد إلى دير السريان المكان الذى أحب الخلوة فيه ورسم هناك راهباً بأسم أنطونيوس فى 18 / 7 / 1954 م وكان قد بلغ من العمر 31 عاماً .
وكان قد عرفه الكثير من الأقباط من خلال خدمته فى الكنائس المختلفة ورئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد وكان رهبنته خبراً تناقلته الألسن خاصة فى مجال مدارس الأحد فى طول البلاد وعرضها فقد كان له تلاميذ كثيرين فى بداية الطريق وإذا لم يكونوا قد تتلمذوا وجهاً لوجه فقد تتلمذوا عن طريق كتاباته , وبإعتزاله ورهبنته أثبت أن كلماته التى يتفوه بها أو يكتبها هى طريق لحياته أيضاً .
وأدى تركه كرئيس تحرير لمجلة مدارس الأحد بسبب رهبنته أنها فقدت مركز الحركة الروحية , وأتجهت المجلة إلى خط آخر فى التحرير والسياسة .. فلم ترق لكثيرين من قرائها فتخلوا عن متابعة ما يكتب فيها .
وموهبته فى الكتابة زادت بالقراءات الكثيرة عندما أطلع الكتب الموجودة فى مكتبة الدير وكان كثيرا ما يخرج كراسة أشعاره ليدون تأملاته الروحية فى نظم شعرية وخرجت بلا شك مختلفة تماما عن أشعاره السابقة عندما كان فى العالم , وهذا طبيعى فأشعاره قبل الرهبنه كانت للنشر صالحة لتعليم الآخرين وخدمتهم أما أشعاره بعد رهبنته فى الدير فكانت لمنفعته الشخصية سجل فيه شعوره وروحانياته وخرجت فى فلسفه لما وراء الحياه ومعناها وكانت تائهٌ في غربة (من قصائد البابا شنودة الثالث - المغارة - 1961) قمة أبياتها تقول :
1. يا صديقي لست أدري ما أنا ** أو تدري أنت ما أنت هنا
أنت مثلي تائه في غربة** و جميع الناس أيضاً مثلنا
نحن ضيفان نقضيَ فترة ** ثم نمضي حين يأتي يومنا
عاش آباؤنا قبلاً حقبة ** ثم ولى بعدها آباؤنا
قد دخلت الكون عرياناً ** فلا قنية أملك فيه أو غنى
و سأمضي عارياً عن كل ما ** جمع العقل بجهل واقتنى
عجباً هل بعد هذا نشتهي ** مسكناً في الأرض أو مستوطنا
غرنا الوهم ومن أحلامه ** قد سكرنا وأضعنا أمسنا
ليتنا نصحو ويصفو قلبنا ** قبلما نمضي وتبقى ليتنا
2. لست أدري كيف نمضي أو متى ** كل ما أدريه إنا سوف نمضي
في طريق الموت نجري كلنا ** في سباق بعضنا في إثر بعض
كبخار مضمحل عمرنا ** مثل برق سوف يمضي مثل ومض
يا صديقي كن كما شئت إذاً ** و اجر في الآفاق من طول لعرض
إرض آمالك في الألقاب أو ** إرضها في المال أو في المجد ارض
و اغمض العين وحلق حالما ** ضيع الأيام في الأحلام واقض
آخر الأمر ستهوى مجهداً ** راقداً في بعض أشبارٍ بأرض
يهدأ القلبُ وتبقى صامتاً ** لم يعد في القلب من خفق ونبض
ما ضجيج الأمس في القلب إذاً ** أين بركانه من حب وبغض
3. قل لمن يبني بيوتاً ههنا ** أيها الضيف لماذا أنت تبني
قل لمن يزرع أشواكاً كفى ** هو نفس الشوك أيضاً سوف تجني
قل لمن غنى على الأهواء هل ** في مجيء الموت أيضاً ستغني
قل لمن يرفع رأساً شامخاً ** في إعتزاز في إفتخار في تجني
خفض الرأس وسر في خشيةٍ ** مثلما ترفع رأساً سوف تحني
قل لمن يعلو ويجري سابقاً ** يا صديقي قف قليلاً وانتظرني
نحن صنوان يسيران معاً ** أنا في حضنك مل أيضاً لحضني
قل لمن يعتز بالألقاب إن ** صاح في فخره من أعظم مني
نحن في الأصل تراب تافه ** هل سينسى أصله من قال أني
وعندما أصبح راهبا وكان يخدم فى الدير أيضاً وأعطيت له مسئولية أمانة مكتبة الدير ومسئولاً عن مطبعة الدير ونشر المخطوطات .
وأسند إليه أيضاً المسئولية عن الزائرن من الضيوف الجانب الذين يزورون الدير من حين لآخر . وأحيانا أعطى مسئولية عن الزراعة والمبانى .
الدخول الى الصحراء الداخليه
وبإنتهاء عام 1975 م أنتفل الراهب انطونيوس إلى مرحلة أخرى من مراحل الرهبنة وهى الأنعزال عن حياة الشركة بــ الدير والعيش فى حياة الوحده ووجد الراهب أنطونيوس كهفاً .. يصلح لوحدته .. ولا يزيدعرضه عن متر واحد وطوله ثلاثة أمتار ونصف , وكانت المغارة على بعد 3ر5 كيلومتر من الدير , وتركها لمغاره أخرى تبعد عن الدير 12 كيلوميتر ووضع فى مدخله مكتبه وبدأ يعد قاموساً للغة القبطية .. ووجد مكانا محفوراً فى الصخر أستعمله كرف وضع فيه المجموعة الكاملة لكتابات الاباء , وبحفرة اخرى كتب خاصة بالرهبان كتبها رهبان قدامى تشرح لهم حروب الشرير وحروب الفكر وطريقة معيشتهم وغيرها من الكتب التى تهم راهب متوحد معتكف بعيداً حتى عن ديره .
وكانت تمر عليه أسابيع لا يرى فيها وجه أنسان وكانت فرصة للخلوة مع الرب يسوع والتأمل والدراسة وتتبع القديسين فى أعمالهم وأقولهم من قرائته لكتبهم .
ولم يخرج أبونا انطونيوس من ديره إلا لسوى حاجة شديدة وبإلحاح شديد عليه وذلك ليكون سكرتيراً للبابا كيرلس السادس .
وذكر جرجس حلمي عازر المستشار الصحفي للبابا شنودة (1) وكانت رهبنة الأنبا شنودة "نظير جيد روفائيل" في 17 يوليو عام 1954 وشغل الراهب الجديد نفسه بإعادة كتابة مخطوطات الأديرة القديمة. وقام بطبعها ولما استدعاه البابا "كيرلس السادس" للانضمام إلي سكرتاريته والإقامة معه في الطابق السادس في المقر البابوي بالدرب الواسع ب "كلوت بك" اصطدم هذا الراهب بالدكتور كمال رمزي استينو نائب رئيس الوزراء وقتها بسبب كتاب أصدره الدكتور نظمي لوقا وأمر كمال الدين حسين وزير التعليم وقتها بطبع الكتاب وتوزيعه في مدارس مصر وسوريا وترك موقعه وعاد إلي الدير وأذكر أنه قال لي وكنت أجالسه في مسكنه بالدور السادس بأنني أشتهي أن أعود إلي صحراء مصر علي رمالها وفي أحضانها
ولكن بعد فترة عاودة الحنين إلى رمال الصحراء وقال : " مكانى فى وسط الرمال "