عام مضى

عام مضى

عام مضى . وشهور مرت . وأيام عبرت . وفى الدقيقة الآولى من بعد منتصف الليل الموافق يوم الثلاثاء المبارك استقبلنا اليوم : الآول من شهر توت لعام1735 حسب تقويمنا المصرى القديم .

التقويم الذى اعتمد عليه موسى النبى فى تدوين حوادث الخليقة ..وبموجبه حدد الآعياد والمواسم التى ما زالت قائمة عند قوم الكتاب من العبرانين الذين أخذوا من سنتنا الشمسية نظاما قمريا لايختلف عنا الا من حيث ايام الشهور ، فياتى الواحد منها ثلاثون يوما ، والاخر تسعة وعشرون ولكى يسووا سنتهم العبرية بالسنة المصرية التى أخذوا عنها كانوا لكل ثلاث سنين يضيفون شهرا الى أذار ويسمونة أذار الثانى والسنة التوتية التى وجدت قبل الميلاد بما يقرب من خمسة ألاف سنة لا يختلف من حيث مقدار الزمن الذى تستغرقة فى دورة البروج ، عن السنة اليوليانية الغربية التى أصلحها سوسبجين الفلكى المصرى الكبير سنة 46 ق.م بأمر يوليوس قيصر وجعل منها 365 يوما ، 6 ساعات كاملة .

وقد أخذ بحسابها أباء المجمع المسكونى الآول الذين اجتمعوا فى نيقية سنة 325 م ورسموا أن يكون الاعتدال الربيعى فى 21 أذار حتى يتسنى لهم تحديد عيد القيامة الذى يجب أن يحتفى به دائما بعد فصح اليهود أى الآحد الذى يلى اليوم الرابع عشر من شهر نيسان . وحرموا من يفصح قبل تعادل الليل بالنهار ونزول الشمس فى برج الحمل . حتى لايأتى عيدنا قبل فصح اليهود ، أو يقع فى يوم واحد فنشترك معهم فى انتظار مسيح أخر ؟

ولكن اتضح فيما بعد ان التعديل اليوليانى لم يأت بالفائدة المطلوبة : وأن السنة حسب تقدير علماء الفلك المدققين هى 365 يوما 5 ساعات 48 دقيقة 51 ثانية ، فهذه الزيادة التى وجدت فى التقويم اليوليانى جعلت الاعتدال الربيعى سنة 1582 م يقع فى 11 أذار ويتأخر عن موعده عشرة أيام فلما رأى أغريغوريوس الثالث عشرأسقف روما هذه البلبلة الفلكية عمد اصلاحها فاستدعى الى مقره الباباوى جماعة من كبار علماء الفلك وفى مقدمتهم العلامة ليليو الفلكى الايطالى الشهير وأخذوا يتشاورون ويتدارسون..

وأخيرا استقر رأيهم بعد مداولات كثيرة أن يجعلوا اليوم الحادى عشر من شهر أذار هو اليوم الحادى والعشرون ومنه ومن ثم رجع الاعتدال الربيعى الى وضعه الصحيح .

ولكى يتفادوا الخلل الذى زحزح الآعتدال عن موضعه الآول جعلوا السنين القرنية كل ثلاث منها بسيطات وكل رابعة كبيسة وذلك خلافا الحساب اليوليانى الذى تقع فيه كل السنين القرنية كبيسة بدون استثناء .

ولما كانت الزيادة فى السنة اليوليانية وهى 11 دقيقة 9 ثوان ينتج عنها يوم واحد فى كل 134 سنة وثلاثة أيام فى كل أربعمائة سنة وسنتين فقد تناول الاصلاح الغريغورى الزيادة التى توجد فى الآربعمائة سنة اما الخلل الذى تحدثة السنتان فقد أهمل الفلكيون اصلاحه نظرا لتفاهتة اذ لايكاد يحصل من مجموعة يوم واحد فى كل 268 جيلا ...!!

وقد أستحسن هذا التعديل علماء الفلك فى كل زمان ومكان وجعلوا منه قضية علمية لادينية ، كما استصويه اخيرا السعيد الذكر الباحث المدقق القمص عبد المسيح صليب المسعودى البراموسى والآستاذ العلامةجرجس فيلوثاوس عوض فى كل البحوث الفلكية التى أجرياها . وبما ان الانجيل لم يحدد بصورة حاسمة يومى الميلاد والقيامة فاننا نرحب من أعماق قلوبنا ...

بالوقت الذى تتوحد فيه أعياد المسيحين وطقوسهم حتى لايختفى بالعيد عند قوم من المؤمنين وبعد مرور أسبوعين يعيد لة فى مكان أخر !

هذا وقد اعتاد الآقباط منذ القدم من بدء السنة التوتية يوما مشهودا يحتفون فيه بذكرى شهدائهم الآماجد الذين توجوا قائمتهم بالقديس مرقس الانجيلى البطريرك الاول لمدينة الاسكندرية ! وهو الرسول الجليل الذى بعد ان غرس بذار الايمان المسيحى فى كورتنا المحبوبة قبض علية الوثنيون وجروه فى شوارع المدينة وهم يركلونه ويصيحون خلفه حتى نزفت دماؤه وأسلم روحه الطاهرة فى 30 برمودة سنة 68 م فحمل المؤمنون جثمانة بكل اكرام واجلال ولحدوه فى كنيسة بوكاليا التى كان قد شيدها وأعدها العبادة قبل الاستشهاد بزمن وجيز...

ومن الاسكندرية اتبثق نور الآيمان المقدس فحمل شعلته الوهاجة شهود الرب الآفاضل وتسللوا به الى المدن والقرى حتى اخترقوا اعماق الوادى وتركوا منه على ضفاف النيل متأثر مشعة متلاصقة جعلت من ليل الوثنية الحالك البهيم شمسا ساطعة ترسل أشعتها الذهبية على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت وتعطى شجاعة للخائفين وأملا ورجاء للذين ارهبتهم الالهه الباطلة بطقوسها المخزية وازعجهم باشباحها المخيفة ! فلما راى كهنة البعليم كساد تجارتهم وخاف الحاكم منطق هذا الدين الجديد الذى لايقر الظلم ويقاطع اسواق النخاسة ولمن الكل متساوون امام مبادئه القويمة تكاتف معبد الكاهن مع بلاط الحاكم على اسئصال المسيحية من الوجود ولاسيما مصر التى لاقت فيها رواجا وهى أنذاك اغنى ايالات العرش الرومانى ومصدر قوته وربحه ومن ثم صدرت الاوامر الملكية باضهاد الآنصارى

وقد فرض قياصرة الرومان على المسيحين عشر معارك ليس فيها شىء من العدالة او التكافؤ فالحالكم يملك كل وسائل الارهاب الجهنمية من عسكر وسلاح والمحكوم المضهد لايملك سوى أيمانه وصبره ! وهكذا.....

التقى الفريقان فى ميادين مختلفة من الارض وأقبل المسيحيون فى وجوه يكللها التقى وتعلوها الابتسامة لاالى جهاد عسكرى ولا الى التماسك ولو بالايدى ولكن الى الاستسلام والطاعة وهم تواقون الى الموت بصورة أدهشت جلاديهم ..حتى ان احدهم عندما احضروا اليه اسدا لافترسة واخذ الوالى يعرض عليه فى اللحظة الاخيرة الامجاد التى تنتظر جحوده اعرض عن سماعه والتفت الى الوحش فراه هادئا فركله الشهيد بقدمه حتى يثير غريزتة الضاربة ومن ثم وثب عليه الاسد وصرعة فى لمح البصر !!

وقد طالت هذه المعارك الدبئة بين كواسر النسور واسراب الحمام حتى بلغت اشدها فى عهد دقلديانوس قيصر 284-305 م الذى عمل كل ما فى وسعه على استئصال المسيحية وامر بذبح النصارى لا لشىء سوى أنهم نصارى !! ومع عظمة وجبروته فقد ذهبت كل جهوده أدراج الرياح .. واخير ا القى السيف الى واعتزل الحكم وذهب الى دلماسه يمتطى صهوة الهزيمة ويحتضن الفشل حتى قضى بقيه حياته فى قرية من قراها ....

والان يطيب لنا فى هذه المناسبة السعيدة ان نذكر أبناء الفداء انه ليس فى وسع ملوك العالم اذلالهم مهما كانوا اقوياء لان المسيح ما زال يناشد الاب من اجلهم لست اسال ان ناخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير وان كنيسة الله الجامعة سوف تتحدى كل قوة تناصبها العداء لان مؤسسها كتب لها فى صك الغلبة وابواب الجحيم لن تقوى عليها " وان طغاة البشرية الذين حاولوا حرق كتاب الله وملاشاته من عالم الوجود ضحك القدوس من سخافة عقولهم عندما فشلت توهامهم وصدق قوله تعالى: ويكرز ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة ؛ .

وهكذا اتكسر الفخ ونحن نجونا لانه ليس كصخرنا صخرهم ولو كان أعداؤنا القضاة .

نشكر الرب الذى لم يجعلنا طعاما لمحاربينا بل حفظنا وسترها واعاننا واخرجنا من الضيق الى الرحب لنكرز بسنة الرب المقبولة .