تقرأ بعد انجيل قداس يوم الخميس من الأسبوع الخامس من الصوم الكبي

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الخميس من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير

تتضمن ذم الرياء والمرائين .

مرتبه على قوله تعالى لرئيس المجمع :

" يا مراثى ألا يحل كل واحد منكم فى السبت

ثوره أو حماره من المذود ويمضى به ليسقيه "

 ( لو 13 : 10 - 17 )

     أن السيد المسيح له المجد بينما كان يعلم فى أحد مجامع اليهود شارحا أقوال نبوات الانبياء ومفسرا رموزها للحاضرين . إذا بأمراة عبرانية من نسل ابراهيم بها روح ضعف منذ ثمانى عشرة سنة جاءت إلى المجمع لتسمع أقوال الله وتفسيرها . وكان منظرها يرثى له . فإنها كانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب وتنظر إلى السماء . فرآها يسوع ودعاها وحلها من رباط الشيطان . ففى الحال استقامت ومجدت الله . فأغتاظ رئيس المجمع وقال للحاضرين : " هى ستة أيام ينبغى فيها العمل ففى هذا ائتوا واستشفوا وليس فى يوم السبت " . فقال له الرب : " يا مرائى ألا يحل كل واحد منكم فى السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضى ويسقيه . وهذه وهى ابنة ابراهيم قد ربطها الشيطان ثمانى عشرة سنة أما كان ينبغى أن تحل من هذا الرباط فى يوم السبت " .

     ونتعلم من هذا الفصل أيها الأحباء أربعة أمور :

     الأمر الأول : إن الله يسمح أحيانا للشيطان بمحاربة البشر . إما للقصاص المادى الوقتى ( 1 كو 5 : 5 ) أو للنجاة من شر الكبرياء الروحية ( 2 كو 12 : 7 ) أو للتجربة ( أى 1 : 1 – 22 ) . وهذه الامرأة ينطبق عليها الامر الاخير إذ كانت إصابتها على سبيل التجربة كأبواب . لأنها كانت مؤمنة تقية حتى أن إيمانها وتقواها جعلا السيد يقول عنها إنها " إبنة ابراهيم " وكانت تواظب على الحضور إلى بيت الله لتسمع التعليم فى كل سبت . ولهذا حازت البركة العظيمة والراحة الجزيلة بنظرها المخلص وشفائه إياها يديه الطاهرتين عليها وقوله لها : " يا امرأة إنك محلولة من ضعفك " .

     الأمر الثانى : إن الله قادر على أن يلين قلوب بعضا الناس ويقوم إرادتهم المائلة أكثر من ثمانى عشرة سنة إلى التمتع باللذات الجسدية وإرتكاب الخطية . فعلى من يرى نفسه هكذا أن يأتى بثقة تامة وتوبة نقية مؤديا للفروض اللازمة لذلك . كالاعتراف والتناول وغيره . وهو تعالى يشفيه من كل علة ومرض وضعف .

     الأمر الثالث : إن الأمر يحفظ يوم الرب لا ينهى عن أى فعل ضرورى من أفعال الرحمة . كزيارة المرضى وافتقاد المحبوسين وكل شئ يلزم لحفظ حياة الانسان . لأن السبت قد فرض لخير الانسان وراحته وليس لضرره . وبالاجمال ان الله لا ينهى عن عمل أى شئ يؤول لخير البشر فى يوم السبت ولا غيره .

     الأمر الرابع : إن الرياء مذموم ومضر بصاحبه ومخجل جدا . لانه من الخطايا الكبيرة . ولهذا السبب يقول البشير : إن السيد قد وبخ رئيس مجمع اليهود على ريائه بقوله له : " يا مرائى ... " وقد ميز السيد هذه المرأة بإنتسابها إلى جنس ابراهيم ليس لشرف هذا الجنس . بل لاجل إيمانها نسبها إلى ابراهيم لان " فى كل أمة الذى يتقيه ويصنع البر مقبول عنده " ( أع 10 : 35 ) .

     فالرياء إذن قبيح ومن أكبر الخطايا . لانه يصدر عن الخبث ويثمر الكذب والغش والطمع وأشباه هذه .

     والمرائى هو الذى يقول شيئا ويريد آخر . فإنك تجد أقواله مواربة وتحتمل معنيين . وعندما يسأل عن شئ يجاوب بأجوبة مصنعة . ولو سألته قضاء حاجة يجيبك بالبشاشة حتى تخال أن المطلوب قد تم كما تريد فيطمئن خاطرك فلا تعود تهتم بأمر نفسك واثقا بأنه سيهتم . وأنت غير عالم بأنه مرائى شيئا ويفعل غيره . فينتهى بك الحال إلى الخسارة والضرر .

     إن المرائين يصبغون أعمالهم الشريرة بصبغة الفضيلة . فيتظاهرون بالصدقات والاصوام والصلوات الكثيرة . وينتقدون سواهم مدعين الغيرة على الناموس .

     ولكن اللبيب الفطن يدرك جيدا أنهم انما يعملون ذلك ليتمجدوا من الناس . كما قال السيد له المجد عن الكتبة والفريسيين المرائين إن " كل أعمالهم يعملونها لكى تنظرهم الناس " ( مت 23 : 5 ) . أو ليفوزوا بإعتبار الغير لهم والاستيلاء على قلوبهم . كما ادعى مبتدعو البدع وتزيوا بزى رجال الله القديسين . وقلدوا الانبياء حتى أضلوا الكثيرين من القوم الجهلاء . وأخضعوهم لسلطانهم فتمتعوا بالخيرات الزمنية .

     وفى أيامنا هذه يوجد كثيرون منهم كما لا يخفى يلبسون الناس بواسطة الرياء . اسمع ماذا يقول السيد عنهم : " ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تأكلون بيوت الارامل ولعله تطيلون صلواتكم . لذلك تأخذون دينونة أعظم " ( مت 23 : 14 ) .

     إن المرائين يتزيون بزى الاصدقاء المحبين كما تزيا الشيطان بزى الحية ويغشون الناس بالكذب والخداع . كما فعل الشيطان مع آدم وحواء . وهم كثيرون الآن ويلقبون بأهل السياسة والدها . يكذبون ويخدعون ويضرون البسطاء بكل براعة وإتقان . ولا غرابة فى ذلك لأن هذا أول درس تعلمه الانسان عن الشيطان " ( تك 3 : 1 – 19 ) .

     فمن كان عدو من المرائين فليحذره ولا يغتر بلين كلامه . فإنه يحييك تحية الأحباء . ويصافحك مصافحة الأصدقاء . ولكنه يضمر فى قلبه كل شر وعداء . لان لأه نعم . ونعمة لا . وهذه ثمرة تعليم الشيطان مخالفين قول الكتاب : " ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا . وما زاد على ذلك فهو من الشرير " ( مت 5 : 37 ) .

     لقد ساد الرياء فى العالم . وها هو يزحزح الفضيلة حتى كاد يمحو ذكرها من الوجود . بدليل ما نراه ونسمع به كل يوم من حوادث الشكوك وسوء الظن . فالسيد يشك فى خادمه . والصديق فى صاحبه . والزوج يسئ الظن فى زوجته والآب فى أبنه . وبالاجمال فإن الرياء قد فرط عقد الاتحاد فجعل الرأى رأيين . والقلب قلبين . والنفس نفسين .

     ويرتكب المراؤون أمثال هذه المنكرات فى الغالب لاجل الطمع والربح القبيح . وهاكم يهوذا الاسخريوطى مثال لذلك . فإنه حينما طلب أن يباع الطيب كان قلبه يفكر فى سرقة الثمن ( يو 12 : 6 ) . وقبل ما قبل سيده متظاهرا بمحبته كان متفقا أنه بهذه القلبة يسلمه ( لو 22 : 47 و 48 ) . حتى استحق اللعنات الهائلة من فم النبى وهى : " ليقف شيطان عن يمينه . إذا حوكم فليخرج مذنبا وصلاته فلتكن خطية . لتكن أيامه قليلة ووظيفته ليأخذها آخر .. لأجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنسانا مسكينا ... وأحب اللعنة فأتته ولم يسر بالبركة فتباعدت عنه ... " ( مز 109 : 6 – 19 ) .

     فسبيلنا نحن أن يكون قلبنا بسيطا . ولساننا منزها على النفاق والرياء . صادقين فى أقوالنا . مستقيمين فى أعمالنا . لنفوز بملكوت السماء . بنعمة وتعطف فادينا الذى له المجد إلى الأبد آمين .