كلمـة عيـد الميـلاد

كلمـة عيـد الميـلاد

ما أبهج هذا اليوم ، وماأجمل هذه الليلة التى نجتمع فيها معاً لنسبّح طفل المذود ، ونحتفل بمرور 2018 أعوام على تمام الوعد واكتمال الزمان

أحبائى فى مثل هذا اليوم منذ أكثر من واحد وعشرون قرناً من الزمان ، تم الوعد الإلهى لأبينا آدم وأمنا حواء ، بأن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية

لقد ظلت البشرية تنتظر وتنتظر لعدة قرون  متى يأتى شيلون الذى منه خلاص الشعوب

لذلك ياأحبائى  يطيب لنا فى هذه الليلة المباركة ، أن نتأمل معاً فى عمل الله معنا على مر العصور والأزمان ، والذى لم يهدف إلا إلى خلاصنا وراحتنا وسلامنا

لقد تحمل السيد المسيح الكثير والكثير من الأتعاب ليقدم لنا هذه البركات الجزيلة من خلال تجسده العجيب   وسوف نتأمل فى هذه البركات معاً حسبما يسمح به الوقت والظروف

أولاً: أنه تنازل وتجسد:

لما كانت معصية آدم وحواء قد وضعت حاجزا منيعاً بين الله والناس ، ولما صارت البشرية كلها عاجزة عن الإرتفاع إلى مستوى الله بعد أن هبطت بالخطية  لم يكن هناك حل إلا أن يتنازل الله من سماه ليرفعنا إليه وياللعجب  فإن خالق السماء والأرض ومالىء الكون أخذ جسداً وأصبح فى شكل الإنسان الطبيعى ، ليس هذا تصغيراً من شأنه ، ولكن لكى يشابهنا فى كل شىء ما عدا الخطية ، حتى يتمم فداءه بجسم بشريتنا

لقد أخطأ آدم وحواء فى حق الله غير المحدود ، وحيث أن أجرة الخطية هى موت ، لذلك كان لا بد أن يدفع ثمن الخطية شخص تتوفر فيه ثلاث صفات:

الأولى أن يكون بشراً من لحم ودم ، لأن الذى أخطأ هو بش

 والثانية أن يكون بلا خطية ، حتى يمكنه أن يدفع ثمن الخطية ، لأن خاطىء لا يمكن أن يفدى خاطىء

 والثالثة  أن يكون فى مستوى الله لأنه من من البشر يمكن أن يكون معادلاً لله

لذلك  فإن السيد المسيح قد أخلى ذاته ، وأخذ شكل العبد  وصار فى شبه الناس ليخلص كل الناس

وإذا بحثنا فى كل البشر الموجودين فى العالم فى كل العصور لن نستطيع أن نجد شخصاً يحمل كل هذه الصفات مجتمعة  لذلك لم يكن هناك بد من أن يتنازل الرب من سماه ليقوم بهذه المهمة العجيبة

لقد حكمت عدالة الله ، أن يطرد آدم وحواء من الحضرة الإلهية ، وشاءت رحمة الله أن ترفع هذا الحكم  لذلك فى تجسد السيد المسيح ، تلاقت الرحمة مع العدل ، وامتزج البر مع السلام ، فكان هذا الميلادالعجيب

فالسيد المسيح  من حيث البشرية هو إنسان كامل لأنه مولود من السيدة العذراء مريم أخذ من جسدها و تشكل فى بطنها فهو بشرى كامل لا نقص فيه

ومن حيث أنه بلا خطية فهو قدوس  كما قال جبرائيل الملاك للسيدة العذراء يوم البشارة : "  القدوس المولود منك يدعى إبن الله" 

ومن حيث أن يكون فى مقام الله ، فهو معادل له لأنه هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقلفالسيد المسيح هو كلمة الله " والكلمة صار جسداً وحل بيننا ، ورأينا مجده مجداً  كما لوحيد من الآب ، مملوء نعمة وحقاً "

إذن فى شخص السيد المسيح ، إجتمعت كل الصفات اللازمة للفادى المنتظروما كان من الممكن أن يقوم أى شخص آخر بهذا الفداء

لذلك ننظر إلى شخص السيد المسيح أنه هو الفادى الوحيد

ثانياً :  قدم الفداء بلا تراجع أو تردّد:

لقد حل السيد المسيح على الأرض ، وهو يهدف إلى خلاص البشرية  وبرغم أن البشرية كانت تعلم جيداً أن هناك حاجزاً يتوسط بينها وبين الله ، كما كانت تعلم أن هناك مخلص سوف يأتى وقد كتبت النبوات الكافية عنه فى العهد القديم بصفات واضحة لا تقبل اللبس  فقيل  " أنه يولد من عذراء  " وقيل أنه يأتى وديعاً ، منصورا ً وراكبا على جحش إبن أتان  وقد شهدت السماء لميلاده بظهور الملائكة للرعاة  وشهدت الأرض بحضور المجوس من المشرق بهدايا لها معنى  فالذهب للملك ، واللبان للكهنوت ، والمر للآلام التى كان مزمعاً أن يجتازها برغم كل هذه الدلائل والإشارات  أتى السيد المسيح لخاصته ، وخاصته لم تعرفه فلم تقبله 

بل أكثر من ذلك  حينما أتى بالمعجزات العديدة لكيما تشهد له أنه هو المكتوب عنه  لم يلتفت اليهود إلى المعجزات ، بقدر ما أثاروا حولها الشكوك، وحاربوها ليقللوا من أهميتها

فتارة يقولون أنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين ، وتارة يقولون أنه سامرى وبه شيطان ، واتهموه أنه يأكل مع العشارين والخطاة وحتى سمعان الأبرص الذى دعاه للوليمة شك فيه وقال : " لو كان هذا نبياً ، لعلم من هذه المرأة وما حالها  أنها خاطئة "

برغم كل هذه المعوقات ، لم يتراجع السيد المسيح عن طريق الصليب ، ولم يتردد فى إتمام الفداء

لقد كان مثلاًَ واضحاً للأبوة الحقيقية التى تضحى بكل شىء من أجل أبنائها ، حتى لوكانوا غير مدركين ، وحتى لو لم يعرفوا حجم الأخطار التى تحيق بهم فهو الراعى الصالح الذى يبذل نفسه عن الخراف  حتى لو لم تشعر الخراف بذلك

لقد أكمل السيد المسيح رسالته ، وقال فى إنجيل يوحنا الأصحاح 17 : " العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته"   وعلى الصليب قال عبارته الشهيرة " قد أكمل"

لقد أتم الفداء دون التفات لرفض البشرية له ، ودون تأثر بالتعييرات والتحديات التى لاقته فى طريق رسالته

 

ثالثاً: قدم الفداء مجاناً

إن أعظم ما فى مسألة الفداء هو الخلاص المجانى لأنه لو فرضنا أن البشرية كانت قد تفهمت قصد السيد المسيح من التجسد ، واعترفت بأهمية الفداء وحاجتها للخلاص هل كان يمكن للبشرية أن تقدم ثمناً لله مقابل هذا الفداء؟

هذا هو السؤال الذى ما زال يطرح نفسه على الساحة الروحية  ماذا طلب الله ثمناً لفدائه ؟ ، وماذا قدمت البشرية مقابل هذا الفداء العظيم؟

لقد قاسى السيد المسيح كثيراً  وهو يدعو البشرية لتقبل كلامه وكان يقول لهم : " إن كنتم لا تؤمنون بكلامى فآمنوا بالأعمال"  لكن البشرية سدت آذانها عن الإستماع وأغلقت قلوبها عن القبول وأظلمت عيونها عن الرؤية ورفضت بالكلية الخلاص المقدم من السماء ومع ذلك أتمه السيد المسيح  بل وأتمه مجاناً

وماذا طلب مقابل كل ذلك؟  لقد طلب شيئاً بسيطاً للغاية  طلب قلوبنا لتكون ملكاً له وقال ياإبنى أعطنى قلبك ولتلاحظ عيناك طرقى

والكاهن فى بداية صلاة التقديس يقول للشعب أين هى قلوبكم فيردون ويقولون " هى عند الرب "

ولكن ياترى هل هى حقاً عند الرب أم فى مكان آخر ؟  -

إن معنى هذا الكلام أن تكون قلوبنا ونحن فى العالم ، فى يد الرب

ونخشى أن يكون العكس هو الصحيح ، فنكون فى بيت الرب وتكون قلوبنا فى مكان آخر وليس عند الرب

إن حال البشرية ياأحبائى فى هذا الزمان يرثى له بالفعل  لقد قدمت السماء أعظم عطية للإنسان فبعد أن كان مطروداً ومنفياً بحثت السماء عنه وفتشت عليه لتنقذه وبعد أن وجدتهفكرت كيف يكون الخلاص  ولما لم يكن هناك من مخلّص تنازل الرب بالتدبير ، وصار فى شبه الناس ، ومشى على الأرض وبرغم كل هذا ، لم تتقبل البشرية شخص المسيح رفضه اليهود وصلبه الرومان وشك فيه تلميذه وسلمه آخر وما زالت هناك بقية باقية لم تتعرف عليه نصلى من أجلها لكيما تعرفه وتقبله فادياً ومخلصاً وإلهاً

برغم كل هذا أتم السيد المسيح فداءه ، وأتمه مجاناً  هكذا بلا مقابل

وفى هذا يقول معلمنا بولس الرسول "لأنه ونحن بعد خطاة ، مات المسيح لأجلنا"  بل وأكثر من هذا وبعد أن فتح لنا السيد المسيح باب السماء الذى كان مغلقاً فى وجوهنا وبعد أن سامحنا عن خطية أبوينا الأولين مازال يقبلنا  ، إذا أخطأنا وعدنا إليه يقبلنا بعد كل هذا العناء ، وينسى كل الماضى كأنه لم يكن

إن السماء لم تقصر ياأخوتى من أن تخلّص فى كل حين ، وبأى وسيلة ولكن يبقى السؤال  ماذا قدمت البشرية مقابل هذا العطاء الزاخر من الحب والتضحية ؟؟؟؟ 

المطلوب هو القلب القلب وكفى

إسأل نفسك ياأخى واسألى نفسك ياأختىإسألوا أنفسكم أيها الأبناء أين هى قلوبنا  ؟؟

هل قلوبنا هى ملك لله ؟ أم أنها ملك لآخر ؟    البعض تعلّق قلبه بالمال  والآخر بالشهوات  وثالث بالمراكز والسلطة ورابع بالشهرة والمجد الزائل قليلون ياأحبائى الذين يسلمون قلوبهم للمسيح وهم قانعون

إن القلب الذى يسكنه السيد المسيح هو قلب ملىء بالحب أولاً لأن الله محبة والقلب الذى يسكنه المسيح هو قلب مستنير لأن الله نور وليس فيه ظلمة البتة  والقلب الذى يسكنه السيد المسيح  هوقلب فرحان لأن السماء لا تعرف الحزن والقلب الذى يسكنه السيد المسيح  هو قلب مملوء بالسلام لأن مسيحنا هو ملك السلام

إنها دعوة لنا كلنا فى هذا اليوم  لكيما نراجع موقف قلوبنا

تعالوا ياأحبائى نلقى نظرة سريعة على قلوبنا ليس عن طريق جهاز رسم القلب  ولكن بالمنظار الروحى الحقيقى  تعالوا نقيس قلوبنا على قامة المسيح  ليعرف كل منا أين هو وما هو قلبه

إن القلب منه مخارج الحياة ،  أخدع من كل شىء  وهو نجيس  من يعرفه هكذا يصف الكتاب المقدس قلب الإنسان البعيد عن الله   لذلك يحتاج منا دائماً أن نفحصه ونطمئن عليه، حتى نخرج به إلى الحياة الأبدية

نصلى لله فى هذه الليلة السعيدة أن يتسلّم قلوبنا فى يديه ينظفها وينقيها ويجددها ويضعها فى يمينه لتكون قلوب خالصة له بالكلية

نسسأل الرب أن يحفظنا كلنا غير عاثرين نامين فى كل عمل صالح وكل معرفة روحية  وينقى قلوبنا ويحفظها بين يديه من أجل خلاصنا وأبديتنا

وكل عام وأنتم بخير ولإلهنا كل مجد وإكرام من الآن وإلى الآباد كلها  آمين