النيروز بين الماضى والحاضر

النيروز بين الماضى والحاضر

أخذت الشمس تغادر خدر الآسد بعد أن ضاق بها العرين .فهرع الليث لوداع الغزالة يسالها الاوبة ولو بعد حين ..وتقدم الميزان يعرض عليها منزلا بين مدارج البروج تشرق منه على مشارف الآرض وتخصب المروج ووصوصت على الوادى فاذ به فى ثوب تشيب .. اتلام وفاغية وخمائل وطيب نيل عج عجاجه يبشر بالخصب والرخاء .

جلس على ضفافه توت يبتكر القلم ويرسم حروف الهجاء..لامة زارها الرب قادما فى سحابة .. فوهبها دين الحق وخصها بنعمة الشهادة.

               ********

لقد بدا  العام مثل ما انتهى ..وسينتهى كماابتدا . اذ لكل بداية نهاية ولكل شىء وقت

وها نحن نودع اياما ونستقبل اخرى حتى ينهى بنا المطاف الى الغاية القصوى. شمس تشرق وقمر يغرب ونهر يجرى  وعام ياتى والارض قائمة الى الابد  تدق الكواكب على مدارها وندور نحن حول النهاية فان لم تدركنا ادركناها وان لم تدركنا ادركتنا فيذهب الكل الى فناء ويبطل تنازع البقاء .

لقد أقبل النيروز ونحن مازلنا على أنهار بابل .فليس لنا ان نتفادى الذكرى وقد جلسنا تحت ظلال الصفصاف نذكر الآمة العريقة التى تبددت.والقومية وكيف تمزقت .

نذكر احبارنا العظماء ورجالنا الآجلاء الذين منهم التضحية بدات واليهم انتهت ..

نذكر أصواتهم التى دكت ابراج الحصون وصيحاتهم التى قوضت أركان السجون. نذكر الوحوش التى طاردت الحمامة الوديعة وحاربتها بمخالب النار التى تعقبت اليمامة الطاهرة وقاومتها بأجنحة الدمار . نذكر ماسينا والسهام التى فينا ونردد هدير الحمامة البكماء .على مجد الماضى وتراث القدماء .

يالها من ذكريات مرة تمزقت لاجلها أحشاء القيثارة وهلعت لها ذوات الآوتار.فمصرنا نتحدث بحزن ومرارة بعد ان علقنا الاعواد على غصون الاشجار لقد همت العين وهام القلب فتماذج الدم بالدمع فبكينا الاطلال ونعينا الاثار وتطلعت عيوننا  الى مريم الثغرة ومجدد الحزب القديمة وبتنا نراقب الفجر كلما اشتد الظلام وننتظر الصبح عند تفاعل القتام ونحن نتساءل يا حارس ما من النيل يا حارس مامن الليل فيقول اتى صباح وايضا ليل فياله من ليل  الليل أرخى علينا سدول العناء فاكسبنا الذل واورثنا الشقاء ضع يارب حدا لسواده قبل ان دركنا  أن تدركنا امواجه فنغرق ويقضى علينا ملك الآهوال ..

منذخمس وستين وخمسمائة والف سنة مضت أعلن دقلديانوس القضاء على  المسيحين فى العالم عامة وفى مصر خاصة وأصدر الطاغوت

اوامره القيصرية الى مرازيه الدول  الرومانية بقتل النصارى ومصادرة أموالهم فى وقت ترعرعت فيه العداوة العنصرية وتفاقمت الخصومه المذهبية .فلم تكد هذه المراسيم تستقر فى حقائب البريد حتى شبت النار وصلصل الحديد فتجمهر الغوغاء اصلب المنازل وتزاحم الدهماء لحرق الكنائس تدفعهم طباعهم البربرية وتسوقهم الغرائز الوحشية فسالت الدماء وتناثرت الاشلاء من قوم فقدوا عدالة الارض فدعتهم اليها السماء

لقد اراد ديوكلتيان ان يجعل من نفسة محولا لهدم المسيحية وتفويضها واراد به يسوع صانعا ماهرا يعمل على تنقية الفضة وتصفية الذهب واعداد الاحجار الكريمة التى يقوم بها صرح المسيحية وترتبط زاويتها فلقد ابلى المسيحيون بلاء حسنا وسخروا من النار والحديد وضربوا لمعذبيهم المثل الاعلى  فى التضحية  ونكران الذات فعانقوا النطع كمن يعانق صديقا وصافحوا السيف بفرح وابتسام واقبلوا على الموت يحتسون شرابه كمنهل عذب فرنموا عند ارتفاع اللهيب وحسبوا صلبهم اهانة للصليب وهللوا وقت زمجرة الوحوش وتعالى هتافهم فوق صليل السيوف وهكذا اخلصوا ليسوع الذى احبهم وتعلقوا به فى ارهب الاوقات وادمسها ظلاما .

لقد تنوعت اساليب التضحية بين الشهداء فظهر بينهم جماعة الفدائيين حيث عرفت هذه التسمية لاول مرة التى اساء العالم فهمها واطلقها الان على اعداء الانسانية وطغاة التعذيب والتخريب كانوا ينتحلون شخصيات المحكوم باعدامهم ويحملون اسماءهم ويذهبون الى السفاح المكلف بعذابهم  ويسألون الموت كمن ينشد الكنوز الثمينة كما كانوا يتتازعون امام المقصلة وكل يريد ان يضع عنقة قبل الاخر بروح قوية ادهشت جلاديهم وجعلتهم يلقون سيوفهم ويعلنون ايمانهم ويشاطرون الشهداء عذابهم

لاشك ان القياصرة الذين زجوا بانفسهم فى معركة لاخاسرة كهذه ندموا فيما بعد عندما رأوا فى قائمة الضحايا كثيرين من الرجال النافعين

بينهم القائد والجندى والكاتب والطبيب . وغيرهم من الفئات المحترمة . التى لو عملوا على اكتسابها لما تقلص ظل دولتهم وسقط نسرها فى هوة الفناء

 كان الاضطهاد عاملا قويا فى تقوية الروح المعنوية فى الحياة المسيحية . فعلى الرغم من قسوة الآعداء وأساليبهم الارهابية فقد ظهر المسيحيون كرجل واحد . يتحدى كل قوات الشر ولايقيم لها وزنا فكنت ترى أماكن العبادة مليئة بالمصلين والساجدين لله بالروح والحق يرفعون الصلوات الحارة الصادرة من أعماق القلب المتألم وقد اشترك معهم البنون والبنات يضرعون لربهم فى ايمان وثبات  يسألونة الرحمة والمعونة لمواجهة الصعوبات الجمة التى فرضها العدو عليهم

 لقد جمع الآسى بينهم فغمرت المحبة قلوبهم بصورة ما احوجنا اليها الان فكنت ترى الشاب يحتضن الشيخ . القوى يحنو على الضعيف والغنى يجعل ثروته تحت تصرف المعوزين فزالت الفوارق ورفعت من بينهم عوامل التنافر كانوا فى الكنائس يصلون باكين بقلوب منسحقة ونفوس خاشعة . ينظرون الى صورة المصلوب ويستمدون منها قوة خفية عالمين انه فيما تالم مجربا يقدر ان يعين المجرمين .

 كانت الكنيسة حارة منتعشة لا تعرف الجمود قوية فى عزمها شديد ة فى بأسها ان طوردت من المدن هربت الى القرى وان تعقبوها فى القرى ركضت الى الجبال وان ترصدوا خطواتها فوق الارض اختفت بين شقوقها وصرخت اليه من الاعماق وما زالت بيع الدياميس  فى رومة ومغائر الجبال المصرية والكنائس الاثرية ترسم لك صورة واضحة لقوة الكنيسة المضهدة وروحها المعنوية التى كانت كصخرة مذيعة تحطمت عليها كل مقاومة العدو وحيله الماكرة كما كانت ايضا كسفينة فى مهب الريح ان لم يتوافر لها الربان الماهر غرقت لا محالة فقيضت لها العناية الالهية كثيرين

من رجال البر المشهود لهم الاستنارة وفيض النعمة العميقة فاستطاعوا ان يسيروا بها بين العواصف القاصية على وجه البحر المضطرب حتى وصلوا الى ميناء السلام وقد تولى ملا حوها وقادة الرأى فيها تهذيب الشعب تهذيبا ذهب به الى ابعد مراحل الكمال فاحتقر المادة وزهد فى الدنيا ....وحسب الحياه عزما والموت غنما . وعندما كان ناقوس الخطر يدق كنت ترى أولئك القادة على  اختلاف مراتبهم .يتقدمون الصفوف وفى سبيل الشهادة الحق لا يرضون بالموت بديلا كان الضيق عاملا قويا فى دراسة الكتاب حيث وجد الناس تعزيتهم الكاملة فأقبلوا علية يعرفون معاينة ويكشفون غوامضة فأدركوا ما ارادة سليمان فى نشيدة ( بلغ أوان القضب صوت اليمامة سمع فى أرضنا ) فرأوا القضب فى قتل الآبرياء وحصد نفوس الشهداء وسمعوا اليمامة عندما تردد مع صوتها انين المتألمين . وتصاعد هديرها مع بكاء المعذبين كما كان الغضب علامة لشقاء الكنيسة الطويل هربت فيه  صغار الثعالب وطارد السبل كبار المراوغين . وهكذا استمر المطر وساد الظلام  حتى فاح النهار وانهزمت الظلال . وجاء الربيع يتهادى والخصب بين يديه يتمادى وخيم بظله على البيعة فجدد حياتها وبعث القوة وشبابها فأخرجت التينة فجها وازداد قعال الكروم حتى ضاق العالم بشهود المسيح وامتلات الارض من رائحتهم الذكية .  كان الاضطهاد مدعاة لشحذ أقلام الكتبة المسيحية وقتئذ فقام جهابذة الفكر بتأليف الكتب الدفاعية فوضع أوريجانوس ثمان كتب رد بها على كلسوس الفيلسوف الوثنى احتلت مكانة الصدارة بين كل المؤلفات الدينية العالمية وكتب ترتليانوس رسائل قيمة ضد الينوستيك ومركيو وفلنتينو . وكتابا ثمينا فى الآيسكولوجية المسيحية كما صنف يوسنيوس الشهيد كتاب المحاماة الكبرى والدفاع الآصغر ومحاورة جميلة مع تريفون اليهودى كما قام فريق اخر بوضع الكتب التفسيرية فضاقت المكاتب...

بمؤلفات  ديونسيوس  وأكليمنضوس وينتينوس ومقار السيايى وديديموس الضرير وغيرهم من علماء الاسكندرية الذين تولوا ادارة المدرسة اللاهوتية .

خرجت الكنيسة من بودقة الاضطهاد كحقل قد باركه الرب تفوح منه كل النفائس لم تخرج كرجل واحد قد تهشم فى حرب ضروس بل كقائد يتهيا  القتال لم يقرب بعد من ساحة الوغى فى وسعها ان تنازل اعداءها لامدة كالتى مضت بل حى قيام الساعه لان الذى انبأها بضيق فى العالم وعدها بنصر فى الختام فالمقاومة لا تؤثر فيها وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ..

ولكن لسوء الحظ بعد ان استراحت الكنيسىة من اعدائها بدات الان بتمثيل ما مضى من درامتها المحزنة فى داخل اسوارها وبين كرومها  وكما فترت فى كل مرافقها  واضطربت فى جميع احوالها فما زال دقلديانوس يقوم بدور الطاغية ويتحكم بسلطانة  فى رقاب كثيرين من الآبرياء الذين ساقهم القضاء اليه فاستشهدوا بين يديه وها هو الان يحتل بيننا المكان الذى كان يحتله مولك بين العمونيين تطيب نفسة عند تقدمة الضحايا ويضحك عند سحق خيار البرايا لايترنم سدنية الاعند وقوع الفريسة ولايضرب دفوفهم الاعند صياح الذبيحة وصارت الكنائس مورد ثروة للبعض ودائرة نفوذ للاخرين الآمر الذى اعثر المصلين وأزعجهم فبردت روح العبادة وصارت الصلاة كما لقوم عادة بل مظهرا من مظاهر الحياة تعرض فيها الآزياء أو تدهشك مناظر الرياء فسادت الفوض وكثر الذين يتفننون المشاجرة يتوارون والمشهود لهم بالمشاكسة يختلفون على القضاء كأنها سلع فى متاجر يتناولها الحاكم بزرايه .  ويناقشها بتهكم .

 واذا ما اعتدى أحد الخوارج على شعائرنا وأساء الى قوميتنا ترى الذين يتقنون المشاجر يتوارون والمشهود لهم بالمشاكسة يختفون وفى الداخل يحكمون الرماية ويجيدون أنواع الخصومة حتى جعلوا الآمة كظبى فى شباك . يهدده الموت ويتواعده الهلاك كما اقفزت حقول الآفكار وأكل القمص نبات العقل والثمار واصبحت الكنيسة فى حاجة الى كتبة بلغاء يخرجون من كنوزهم جددا وعتقا.

نريد كتابا يكتب بدم الفؤاد . لابالقلم والمداد  يعالج أدواءنا الاجتماعية بما يلائم ولايخشى فى الحق لومة الاثم لانريد كتابا من مأجورى الضمائر . الذى ألفوا المهاترات وطاب عيشهم بين المنازعات . فعرضوا للاعراض وساوموا على الاخلاق . فبارت وريقاتهم وظهرت الناس سواتهم . نريد مؤلفا يكتب ليفيد . ولايعمل لبيع لايتخذ من خدمة الرب  صناعة ولايعلن عن نفسة بين الجماعة والاذهبت أقواله فى الهواء وخسلت رقاعه الخرقاء.

 نريد رجالا أقوياء فى مشورتهم .تتجلى الحكمة فى أرائهم يناصرون الحق  ويقضون على الباطل ليس لهم بر الكتبة ولا قداسة الفريسين بل لهم جدائل الرحمة وعصائب الحنان نريد قيادة تقديس الواجب . وتقدم عمل الرب  وتتفانى فى خدمة الاخرين وننهض بالبيعة التى كبا جوادها الهزيل فتخلفت عن موكب الكنائس الحية وركابها الجليل نريد كاهنا يعمل بمبادىء النعمة  لابأوامر الناموس ولاوليا تقيا لايتغاضى عن فريسة اللصوص نريد راعيا كالسامرى يسامر نفوس البؤساء متى سرى اليها السوء وساورها الشقاء

نريد أطباء أمناء يحسنون الوصف لاتساننا الاجتماعى المريض لا يغشون ولا يخدعون . بل يشخصون للامة الداء فتتعاون معهم على تركيب الدواء حتى اذا ما ادعت الحاجة لمن يتولى القيادة زحفت الكتائب مبتهجة وعادت الجيوش منتصرة .

 اما الذين يعملون على تحذير الآعصاب ويتركون الجرح يتفاعل والخطر يتفاقم والناس لايدرون من أمره شيئا فهم دعاة الهزيمة الذين شوهوا محاسن الحقيقة  تبا لهم فقد جمعوا الناس حول طبل اجوف ورقصوا امام قصبة مرضوضة .قرعوا عليه فانفجر وتوكاوا العكاز فانكسر.

والان وقد طلع علينا اليوم الجديد واقبطت سنة الرب  المقبولة وراينا اكاليله على الآودية وأثاره تنطق بالبهجة وجب علينا أن نحمل رسائل الشكر ونذهب الى بيت الرب وهناك نذكر حسناته ونردد جميل أياته نسأله من أجل البقية ليرفع عنها البلية وان يتعهد الكرمه بخلاصة ويقيها شر قصاصه كما نضرع اليه ونحن وقوف بين يديه ان يكلا رجال حكومتنا بعنايته وأن يحفظ لنا حياة قداسة البابا المعظم ورجال كنسيته وان يتولانا جميعا برعايتة ويدركنا برافته ويؤيد أحبارنا ورجالنا ويوفق الغيورين فينا لكل عمل صالح....