Search

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الثلاثاء من الأسبوع السادس من الصوم الكبير

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الثلاثاء من الأسبوع السادس من الصوم الكبير

تتضمن تنازل السيد المسيح وتجسده وصلبه لأجل خلاصنا .

مرتبه على قوله تعالى بفصل الإنجيل :

" ينبغى أن ابن الانسان يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة

والكتبة ويقتل وفى اليوم الثالث يقوم "

( لو 9 : 18 – 22 )

     كما أن الملوك إذا خاطبوا الرعية بواسطة الكبراء والرسل والحجاب ونظرائهم ولم يمتثلوا لارادتهم ولم يترجعوا عن غيبهم فأنهم يتشكلون بزى بعض التجار أو السياح ويجولون فى بلادهم ويتصرفون بين رعاياهم كعامة الناس . ليخاطبوا من حيث يفهمون ويقربوا لهم المقاصد الصالحة ليقبلوا إلى الطاعة ولا يهلكون . كذلك خالق طبائعنا والمتحنن على جنسنا . فإنه ظهر لجنس البشر أولا بأشكال خيالية عارضة لتدبير أمور عالمية قريبة الزوال . فظهر لآدم كإنسان يسمع صوت مشيه على الأرض ( تك 3 : 10 ) . وظهر لإبراهيم كإنسان عابر سبيل ( تك 18 : 1 – 22 ) . وظهر لدانيال كإنسان جالس على كرسى وشعر رأسه كالصوف النقى ( دا 7 : 9 ) . وظهر ليعقوب كإنسان على سلم طرف منه فى الأرض وطرف فى السماء ( تك 28 : 10 – 13 ) . وظهر لموسى فى العليقة ( خر 3 : 2 – 5 ) . وظهر لإشعياء فى شكل رجل ( اش 6 : 1 ) . ولهوشع فى شكل ملاك ( هو 1 : 1 و 2 ) . وأمثال ذلك كثيرة .

     وحين كملت شريعة العدل الأولى الزائلة . وقربت شريعة الكمال الدائمة . ظهر بشكل إنسان حقيقى الطبيعة لسياسة أمور حقيقية دائمة لا زوال لها . ولذلك قال تعالى : " أرسلت اليكم كل عبيدى الأنبياء كل يوم ومرسلا " ( إر 7 : 25 ) وقال بولس الرسول : " الله بعد ما كلم الآباء الأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة . كلمنا فى هذه الأيام الاخيرة فى ابنه الذى جعله وارثا لكل شئ ... " ( عب 1 : 1 و 2 ) . وكما رضى أن يكون إنسانا رضى أيضا بتوابع الانسانية . كما علمنا الفضل بأعماله الفاضلة . فصام بالجسد ( مت 4 : 2 ) وسجد بالجسد ( مت 26 : 39 ) وأكل وشرب بالجسد ( مت 26 : 17 – 19 ) وكمل التدبير اللائق بجلاله تعالى .

     وكما أن الملك العظيم الهمة العالى الشأن إذا حبس غلامه فى أرض الغربة فإنه يتزيا بشكل أهل تلك البلاد . ويحتال فى خلاص عبده . ويحتمل لاجله بذلك الشكل ما كان يستوجبه العبد من الألم والهوان . فما ناله من ذلك الهوان لا يعد نقصا . بل يعده العقلاء شرفا . ويكون له بذلك أبهة الكمال والفضل وعلو الذكر ونهاية المروءة . وينقل ذلك عنه رواة الاخبار والمؤرخون .

     هكذا لما تحنن ربنا علينا وتعطف على ضعفنا وتجسد لخلاصنا . واحتما بجسده الآلام التى استوجبناها نحن . ونهج لنا طرق الخلاص من عدونا . لا يعد ذلك الهوان نقصا . بل يكون له به كمال الجود وغاية الفضل . ولنا غاية الشرف والخلاص من الجحيم .

     وكما أن ذلك الملك لو أراد خلاص عبده بالقوة . لأرسل الجيوش والعساكر وأهلك أولئك المضادين . هكذا لو أراد سيدنا له المجد خلاص جنسنا عنوة . لأرسل ربوات من الملائكة وأهلك أولئك المضادين . وإلا فالقادر الذى أعطى رسله السلطان أن يقيموا الأموات ويشفوا المرضى ويغلبوا الملوك ويقهروا الفلاسفة ويجذبوا العالم إلى آرائهم . ألم يكن قادراً أن يقهر مشائخ اليهود وجنود بيلاطس ؟

     وكما أن ذلك الشكل الذى تشكل به الملك لخلاص عبده يكون عند بلاد الملك وجنوده وعشائره العارفين قصده . معظما جليلا . كذلك الشكل الذى ظهر به ربنا يجب أن يكون عندنا جليلا مكرما .

     فسبيلنا الآن أيها المؤمنون أن لا نستكف من ذكر صليب المسيح فإنه رأس الخيرات . وبداءة الحياة . وألة النجاة . وإكليل الفخر . وراية الظفر . وسلاح الغلبة . وعلامة الخلاص . بل نرسمه على جباهنا . ونصنع مثاله على أموالنا وبيوتنا ومزارعنا . ونختم به على قلوبنا . ونتحفظ به من اعدائنا . ونقترب به من ربنا . الذى له المجد إلى الأبد . آمين .