تقرأ بعد انجيل قداس يوم الجمعة من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الجمعة من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير

تتضمن الحث على الايمان .

مرتبه على قوله تعالى بفصل الانجيل :

" إن لم تؤمنوا أنى أنا هو تموتون فى خطاياكم "

( يو 8 : 21 - 271 )

     أن سيدنا له المجد صعد إلى الجبل منفردا مرتين ليصلى : الأولى قبل آية تكثير الخبز ( يو 1 : 2 ) والثانية بعدها ( يو 6 : 15 ) . وذلك أولا ليعلمنا كيف نختلى فى صلواتنا . وثانيا ليختفى من وجه الذين أرادوا تنصيبه ملكا بعد نظرهم آية تكثير الخبز . وبقى وحده إلى المساء حيث كانت سفينة التلاميذ فى وسط البحر معذبة من الأمواج بسبب الريح الشديدة التى حركتها ليعودهم على احتمال الشدائد والمصائب . فبقوا الليل كله فى اضطراب ولم يأتهم إلا فى الهزيع الرابع من الليل ليعلمهم كيف يطلبونه بحرارة واجتهاد . ولما أبصروه ماشيا على البحر خافوا وظنوه خيالا فصرخوا . فقال لهم : " أنا هو لا تخافوا " . فقال له بطرس يا سيد : " إن كنت أنت هو فمرنى أن آتى اليك على الماء فقال له تعال . فنزل بطرس ومشى على الماء ولكنه خاف من الريح وأبتدأ يغرق . فأمسك به يسوع وقال له : " يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( مت 14 : 31 ) . هذا كل ما فى فصل اليوم ومنه نتعلم مسألتين : أحداهما أن سيدنا له المجد صنع هنا خمس عجائب . الأولى مشيه على البحر . الثانية مشى بطرس أيضا . الثالثة نجاة بطرس من الغرق . الرابعة تسكين الرياح والاضطراب . الخامسة بلوغ السفينة إلى ميناء السلام ( يو 6 : 21 ) .

     أما المسألة الثانية فهى أن أغلب التجارب والأحزان تأتينا من قلة الأيمان وعدم ثقتنا بإلهنا واعتمادنا على انفسنا . أو على مساعدة غيرنا .

     فألزم شئ أذن للإنسان إنما هو الايمان بالله والثقة بأقواله تعالى . لأن الايمان هو أساس الخلاص وعليه تبنى احسانات الله للبشر . وبدونه لا يمكن ارضاؤه ( عب 11 : 6 ) وهو امر واضح من قول سيدنا له المجد لقائد المئة : " اذهب وكما آمنت ليكن لك " ( مت 8 : 13 ) . ومن قوله للأمرأة نازفة الدم : " ثقى يا ابنة إيمانك قد شفاك " ( مت 9 : 22 ) . ومن قوله لرئيس المجمع الذى ماتت ابنته : " لا تخف . آمن فقط " ( مر 5 : 36 ) ومن جواب الرسول للسجان : " آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك " ( أع 16 : 31 ) .

     فهل يليق بنا أن يكون ايماننا فاتراً ونحن أبناه أولئك الذين جاهدوا الجهاد الحسن . أولئك الذين قابلوا اضطهاد الحكام العتاة والملوك القساة الطغاة مثل ديوقلاديانوس ونيرون وغيرهما بكل شجاعة وإقدام . حتى انه قتل منهم 840 ألف نفس فى مدة حكم ملك واحد لم يفتر ايمانهم بل حفظوه لنا سالماً كما تسلموه من الملائكة الأطهار . أو لم يكن لنا درس بسيط من توبيخ سيدنا له المجد لبطرس بقوله : " يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( مت 14 : 31 ) أننا نتعلم منه ألا نزدرى بالنواميس الالهية حتى لا نكون قدرة ردية لغيرنا . لان قلة الايمان تسهل الازدراء بالناموس الالهى . وتهون على الانسان اهمال كل ما يقال له فضيلة .

     من منكم ايها الاحباء ينكر هذه الحقائق التى يؤيدها العقل وتشهد بها الوقائع ؟ يا للعجب ! أنحتقر عمل الفضيلة هكذا حتى أن كلا منا يرتكب نوعاً من الخطايا بدون خوف ولا خجل . ؟ وها قد انطبق علينا قول النبى : " كلهم قد ارتدوا معاً فسدوا . ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد " ( مز 53 : 3 ) فأن قلتم ما هى علة ذلك ؟ قلت انما هو فتور الايمان .

     أمر مدهش جداً ! بل عجيب وغريب !!! إننا نصرخ كل يوم من عمق قلوبنا قائلين " بالحقيقة نؤمن بإله واحد . الله ضابط الكل خالق السموات والأرض .. " ونحن نعمل كل لحظة ما يدل على فتور فى ايماننا ؟ ألعل الاقوال برهان على حسن الإيمان ؟ كلا . وإنما الاعمال الحسنة هى البرهان على حسن الايمان قال الرسول : ارنى ايمانك بدون أعمالك . وأنا أريك بأعمالى ايمانى " ( يع 2 : 18 ) فأى ايمان يبين إن الله يأمرنا بمحبة أعدائنا ( مت 5 : 44 ) ووعدنا نظير ذلك بأن نكون بنى العلى ( لو 6 : 35 ) فماذا نعمل نحن لإخواتنا وليس لاعدائنا ؟ أننا لم نخالف هذا الأمر الإلهى فقط من جهة أعدائنا لا . بل من جهة أخوتنا أيضا . فاننا نبغض ونعادى بعضنا بعضا حتى الموت . نسب ونشتم . ننصب أشراك ومكائد ودسائس وشايات وشكاوى . سعايات وأضطهادات . وغير ذلك من الشرور والجرائم التى لا تليق بشعب المسيح . من أين هذه كلها ؟ وما هو السبب ؟ إنها من قلة الايمان . والسبب هو قلة الايمان .

     إن الكتاب المقدس يقول إن ساداتنا الرسل كانوا يشتمون قيباركون . يضطهدون فيحتملون . يفترى عليهم فيصلون ويعظون المفترين لكى يتوبوا ( 1 كو 4 : 12 و 13 ) . انظر استفانوس بكر الشهداء حينما كانوا يرجمونه فأنه سجد وصلى عن راجميه قائلا : " يارب لا تقم لهم هذه الخطية " ( أع 7 : 60 ) فلماذا لا نقتفى آثارهم ونعمل كأعمالهم ؟ وما السبب غير ضعف إيماننا وقوة إيمانهم .

     إن الله تعالى يأمرنا كل يوم فى كتابه أن نعطى صدقة : أى نطعم الجائع ونسقى العطشان ونأوى الغريب ونكسى العريان ونعول المريض ونعتنى بالمحبوس وغير ذلك . وقال صريحا : إن الفقراء أخوته فمن فعل بهم خيرا فقد فعله بى ( مت 25 : 40 ) فهل قمنا بالواجب علينا حسب هذه الوصيه ؟ . كلا . بل أننا نحول وجهنا عن الجائع والعطشان . ونهمل المريض ونوبخ القريب والبعيد وكل من يسألنا حاجة . يا ليتنا نتركه بل نمتهنه ونوبخه غير ملتفتين لقوله تعالى : " من يرحم فقيرا يقرض الرب ومن معروفه يجازيه " ( أم 19 : 17 ) .

     ألعل الله كاذب ؟ حاشا الله . فهو يعطى بدل الواحد مائة ( مت 19 : 29 ) وإنما نحن ضعفاء الإيمان . ألعلك يا هذا تقول فى نفسك إنى أمنت وأعتمدت وخلصت كقول السيد البرايا : " من أمن واعتمد خلص " ( مر 16 : 16 ) فأقول لك أن بطرس أمن مثلك ولكن السيد وبخه قائلا : " يا قليل الأيمان . لماذا شككت " ألعل أيمانك أنت أعظم من إيمان بطرس ؟ ثم أن يهوذا الاسخريوطى كان مؤمنا أيضا . وتلميذا مصاحبا للسيد له المجد لكنه كان قليل الإيمان . حتى أن قليلا من الفضة أضاع منه ذلك القليل الباقى من إيمانه . وامنا حواء كانت أيضا مؤمنة . ولكن إيمانها كان فاترا فأيمان كهذا لا يركن إليه فى خلاص النفس . لأنه كالماء الفاتر ليس حارا فيصلح للتطهير . ولا هو بارد فيترك . لأجل هذا أسمحوا لى أيها الأحباء أن أقول مع الرسول يعقوب : " الإيمان بدون أعمال ميت " ( يع 2 : 20 ) وإن كان أحد على غيرما رويت . فليرنى عظم ايمانه بأعماله لأرى إن كانت له ثقة بالله كثقة قائد المئة القائل : " يارب قل كلمة فقط فيبرأ غلامى " ( مت 8 : 8 ) أو كإيمان وثقة الكنعانية التى قال لها السيد : " عظيم أيمانك . ليكن لك كما تريدين " ( مت 15 : 28 ) أو إن كان يدخل الكنيسة بورع وليس كمتفرج . أو أن كان يقف بأحترام ويسمع الأنجيل ولا يهرب وقت الوعظ . أو أن كان لا يتحادث عن أشغاله أو متاجره فى أوقات العبادة . أو أن كان يرحم الفقير ويطعم الجائع ويكسى العريان ويؤاوى الغريب . إن كان يفعل هكذا فيكون مؤمنا بالحق .

     ويقول البعض لماذا لأنه شاهد أيات ؟ كقول السيد له المجد : " وهذه الأيات تتبع المؤمنين . يخرجون الشياطين بأسمى ويتكلمون بألسنة جديدة . يحملون حيات . وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون " ( مر 16 : 17 و 18 ) فنقول لهؤلاء إنه بسبب ضعف إيماننا لا نرى الأن شيئا من ذلك لأنه يقول أن الأيات تتبع المؤمنين لا قليلى الإيمان . فالأيات قد بطلت . لأن حرارة الأيمان قد بردت . ودليل ذلك هو جواب السيد له المجد لتلاميذه عندما سألوه عن الروح النجس قائلين : لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه . فقال لهم يسوع : " لعدم أيمانكم " أى لقلة إيمانكم ( مت 17 : 19 و 20 ) .

     فها قد بينا لكم أيها الأحباء أن قلة الإيمان هى أصل جميع الشرور والإيمان هو مصدر كل عمل صالح فسبيلنا أذن أن نتخذ الحلم طبعا لنا . وأن نكون متواضعين عادلين رحومين عفوفين . متصفين بطول الآناة . ملتحفين برداءة العفة . متعقلين . بسطاء . راسخين فى الايمان . بنعمة وتعطف ربنا وإلهنا يسوع المسيح . الذى له المجد إلى أبد الآبدين . أمين .