تقرأ بعد انجيل قداس يوم الاثنين من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الاثنين من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير

تتضمن الحث على القاء الرجاء على الله .

مرتبه على فصل إشباع الخمسة الآلاف رجل من الخمسة الأرغفة والسمكتين .

( لو 9 : 12 – 17 )

     إن السيد المسيح له المجد لما سمع بقطع رأس يوحنا المعمدان ترك أورشليم وأتى إلى برية قريبة من بيت صيدا ليستريح مع تلاميذه انفراد . فتبعته جموع كثيرة . فتحنن عليهم وعلمهم ثم شفى مرضاهم بدون أن يطلب منه ذلك . ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين : " الموضع خلاء والوقت قد مضى . اصرف الجموع لكى يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما . فقال لهم يسوع لا حاجة لهم أن يمضوا ... أعطوهم أنتم ليأكلوا .. وصنع لهم هذه الآية العظيمة التى سمعتم خبرها بفصل اليوم فأكل نحو أكثر من خمسة آلاف رجل ماعدا النساء والاولاد وشبعوا . ورفع ما فضل عنهم اثنتا عشرة قفة مملوءة . وذلك من خمسة أرغفة وسمكتين ( مت 14 : 14 – 12 ) . وهى أعجوبة عظيمة وبرهان مقنع على تحنن فادينا . وباعث قوى لاحياء الثقة التامة داخل قلوب البشر وإلقاء رجائهم على الله دون سواء . فالرجاء ينشأ مع نشوء الانسان وهو طبيعى فى قلوب البشر . الرجاء هو تعزية المريض أثناء مرضه لانه يأمل الشفاء العاجل . تجد الرجاء فى القلب النوتى عند مصادفة أهوال البحار . فإنه يعلل نفسه بالرجاء لنجاته من الغرق . فلولا الرجاء لما زرع زارع أرضا . ولا صنع صانع شيئا . لان كل الاشياء إنما تعمل على يقين الرجاء . فالرجاء هو الذى جعل هاتيك الجموع الكثيرة تمضى وراء السيد بدون زاد . لانهم عرفوا أن القادر على شفائهم عن أمراضهم قادر أيضا على اشباعهم خبزا . الرجاء هو تعزية الانسان فى عالم الاتعاب والاحزان . وقد خلقه الله فينا ليكون هو جلت قدرته موضوع رجائنا . غير أن فريقا من الناس يلقون رجاءهم على الناس والاموال وما اشبه ذلك . فاسمع توبيخاته تعالى لامثال هؤلاء قال : " ماذا يصنع أيضا لكرمى وأنا لم أصنعه له " ( أش 5 : 4 ) وقال : " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها . كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا " ( مت 23 : 37 ) وقال أيضا : " ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على " ( أش 1 : 2 ) وقال أيضا : " بسطت يدى طول النهار إلى شعب متمرد سائر فى طريق غير صالح وراء أفكاره " ( أش 65 : 2 ) . وقال أيضا : " ملعون الرجل الذى يتكل على الانسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه " ( ار 17 : 5 ) .

     هذا بعض من أقواله تعالى . فلماذا لا نثق بها ونضع رجاءنا عليه ونذوق عذوبة خدمته قبل ان نذوق خدمة العالم ؟ لاسيما وهو يقول لنا بلسان نبيه داود : " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبى للرجل المتوكل عليه " ( مز 34 : 8 ) .

     وإلا فقولوا لى بحقكم أى شئ لم يصنعه لنا إلهنا ليستميل قلوبنا إليه . وها هو يتراءف على البشر بكل هيئة ويخاطبهم بأنواع كثيرة . أحيانا كمبشر يبشر المساكين فى كل مدينة . ويلقى الصلح والسلام . وأحيانا كسامرى يعزى الحزانى ويشفى المرضى ويسكن الامواج ويهدئ العواصف . وتارة كراع إذا وجد خروفا ضالا حمله على أكتافه وقال لاصدقائه افرحوا معى لانى وجدت خروفى الضال ( لو 15 : 5 و 6 ) وتارة كأب شفوق يعانق أولاده ويباركهم قائلا : " دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " ( مت 19 : 14 ) .

     فما بالنا نترك إلهنا الشفوق علينا ونلقى رجاءنا على بشر مثلنا مائتين . مع علمنا أننا بفقدهم نفقد حمايتهم أيضا فتضيع علينا مصالحنا . وربما يصيبنا أذى من أعدائهم بسبب انتسابنا اليهم . وما الذى يمنعنا من استدراك خطايانا والعودة إلى صوابنا فنلقى رجاءنا على إلهنا . ونتكل عليه دون سواه . عملا بقوله تعالى : " لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده " ( مز 146 : 3 ) وطوبى لمن إله يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه " ( مز 146 : 5 ) .

     ولنعد على اسماعكم ذكر بعض الحوادث لتعلموا أن إلهنا رؤوف ورحيم بعباده المتكلين عليه . وفى كل حين يعينهم ويجيب طلبتهم . قال الكتاب المقدس : " مرض حزقيا ملك أورشليم للموت . فجاء اليه اشعياء النبى وقال له . هكذا قال الرب أوص بيتك لانك تموت ولا تعيش . فوجه وجهه إلى الحائط وصلى إلى الرب قائلا : آم يارب أذكر كيف سرت أمامك بالامانة وبقلب سليم وفعلت الحسن فى عينيك . وبكى حزقيا بكاء عظيما . ولم يخرج إشعياء إلى المدينة الوسطى حتى كان كلام الرب إليه قائلا أرجع وقل لحزقيا رئيس شعبى هكذا قال الرب إله داود أبيك . قد سمعت صلاتك . قد رأيت دموعك . هأنذا أشفيك . فى اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب . وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة وأنقذك من يد ملك أشور مع هذه المدينة وأحامى عن هذه المدينة من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى " ( 2 مل 20 : 1 – 6 ) .

     فها قد أقبتنا إليكم أيها الاحباء من موسى والانبياء وأخبار الملوك وجوب القاء الرجاء على الله دون سواه .

     فسبيلنا أذن أن نتواضع تحت يده القوية لكى يرفعنا فى حينه . ملقين كل همنا عليه لأنه هو يعتنى بنا ( 1 بط 5 : 6 و 7 ) . لأننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئا ( يو 15 : 5 ) ولنتمسك بإقرار الرجاء الموضوع أمامنا كمرساة أمينة للنفس وثابتة تدخل إلى ما دخل الحجاب ( عب 6 : 19 ) . غير حائدين عن اعتراف رجائنا فإن الذى وعد هو أمين ( عب 10 : 23 ) . له المجد والاكرام والعزة والسجود إلى الأبد أمين .