تقرأ بعد انجيل قداس يوم الجمعة من الأسبوع الثانى من الصوم الكبير

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الجمعة من الأسبوع الثانى من الصوم الكبير

تتضمن الحث على العمل بأقوال الله .

مرتبة على قوله تعالى بفصل الانجيل :

" لماذا تدعوننى يارب يارب وانتم لا تفعلون ما أقوله .

كل من يأتى إلى ويسمع كلامى ويعمل به ..

يشبه إنسانا بنى بيتا وحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر .. "

( لو 6 : 39 - 49 )

     إن سيدنا له المجد بعد ما بين شرف الفضيلة وعظم قدرها وكشف للملإ تظاهر المرائين بها . مظهراً لهم بطلان صلاتهم وصومهم على هذه الصفة . قال موبخاً اولئك الذين كانوا يسمعون تعاليمه ولا يعملون بها : " لماذا تدعوننى يارب يارب وأنتم لا تفعلون ما أقوله " . نتعلم من هذا أن مجرد سماع التعاليم الالهية والاعتراف بحقيقتها لايفيداننا شيئاً ما لم نقرنهما بالأعمال التى تبررنا من آثامنا . لأن السامعين فقط لا يتبررون وإنما العاملون بما يسمعون هم الذين يتبررون . كما يقول بولس الرسول : " ليس الذين يسمعون الناموس أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون " ( رو 2 : 13 ) . ويقول السيد نفسه : " ليس كل من يقول لى يارب يارب يدخل ملكوت السموات . بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات " ( مت 7 : 21 ) .

     فالاكتفاء إذن بالقول عن العمل داء وبيل قد سرى فى جسم بنى الإنسان من قديم الزمان . ولم تسلم منه الكنيسة فى جميع عصورها . فقد منيت بهذا الشر فى عصر حزقيال النبى . بدليل قوله تعالى له : " يأتون اليك كما يأتى الشعب ويجلسون أمامك كشعبى ويسمعون كلامك ولا يعلمون به . لأنهم بأفواههم يظهرون أشواقاً وقلبهم ذاهب وراء كسبهم " ( حز 33 : 31 ) . وفى عصر الرسل إيضاً بدليل قول يعقوب الرسول للمؤمنين : " كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم " ( يع 1 : 22 – 27 ) .

     وفى عصرنا هذا أيضاً قد ضل الكثيرون عن الطريق المؤدى إلى الحياة . وما أكثر الذين يدعون منهم بالدين ويتظاهرون بالتقوى ! ويكتفون بالقول عن العمل . فليعلم هؤلاء أن اسم الدين وصورته الخارجية لا يفيدانهم شيئاً إذا كانت قلوبهم مملؤة شراً وسيرتهم ملطخة بدنس الخطية . فإن أعظم برهان على وجود التقوى داخل قلب الانسان هى الطاعة لله والعمل بوصاياه . ولأجل هذا يقول السيد له المجد : " كل من يأتى ويسمع كلامى ويعمل به .. يشبه إنساناً بنى بيتاً وحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسساً على الصخر . وأما الذى يسمع ولا يعمل فيشبه إنساناً بنى بيته على الأرض من دون أساس فصدمه النهر فسقط حالاً وكان خراب ذلك البيت عظيماً "

     فقل لى ايها الحبيب على أى أساس بنيت بيت خلاصك الأبدى ؟ هل على أساس الصخر الذى هو الأصغاء لبشارة الخلاص . والتصديق بكل أقوال الله وتعاليمه الأساسية . فى سرى التجسد والتثليث والتوحيد . ثم التوبة وباقى الأسرار مع وجوب الصلاة والصوم . والاقرار بصحة الدين المسيحى بكامل طقوسه . أو هل تظن أن كل ما ذكرته مجرداً عن العمل الصالح يجديك بفائدة ؟ الجواب بدون العمل لا فائدة على الاطلاق لانه كما أن البيت المبنى على الأرض من دون أساس يسقط سريعاً عند هبوب الرياح ونزول السيل . هكذا الدين الذى يقتصر على الاستماع والفحص والمعرفة فنه يسقط سريعاً لأنه مؤسس على الاقرار الظاهر فقط من دون عمل . الأمر الذى من شأنه أن يضر ولا ينفع . وأى ضرر أعظم من خسارة الإنسان نفسه ولو ربح العالم كله ؟ !

     فالعمل إذن ايها الاحباء من مستلزمات الكونين العلوى والسفلى . وخصوصاً الانسان . فعمل الله هو أنه أبدع الكون ولا يزال يعمل بدليل قول السيد له المجد : " أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل " (يو 5 : 17) وعمل الملائكة قائم فى خدمة الله وحراسة البشر . وعمل الشمس والكواكب بحركاتها . والارض بمزروعاتها . والهواء بهبوبه . والسحب بهطلها المطر فى حينه . وهكذا لكل موجود عمل قائم به فى الوجود . فالتاجر مثلا يعمل بجد واجتهاد كل ما يوسع تجارته ويروج بضاعته ليربح ربحاً ولو بسيطاً . وكذلك الصانع فإنه يعمل فى إتقان صناعته . والزارع فى خدمة زراعته . وكل من هؤلاء يعمل ليربح شيئاً زمنياً زائلا .

     فإذا كان الأمر هكذا فى الامور المادية . فلا يجوز لك أيها الحبيب أن تكتفى بالقول والمعرفة عن العمل فى الامور الروحية لنوال الحياة الأبدية . لأن الجائع لايسد جوعه من نظره إلى الطعام . ولا الظمآن يرتوى من رؤيته الماء . وفى هذا يقول الرسول : " إن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومى فقال لهما أحدكما أمضيا واستدفئا واشبعا ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد فما المنفعة . هكذا الايمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت فى ذاته " ( يع 2 : 15 و 17 ) .

     وإذا كان الحال بخلاف ما ذكرت فأرنى أعمالك وخضوعك لوصايا إلهك وقل لى لماذا عندما تدخل الكنيسة تكتفى بخضوع هامتك أمام هيكل الله بدلاً من السجود الخاص بعظمته تعالى ؟ ولماذا بدل وقوفك بالخوف والرعدة تجلس بدون ورع ؟ ووقت تلاوة الانجيل الشريف بدل الاصغاء التام تتهامس مع أصحابك ؟ وعند مرور الصليب أو الكاهن حاملا جسد الرب لا تتحرك بالسجود الاكرامى حتى ولا بهامتك ؟ ولماذا لا ترسم علامة الصليب على جبهتك وقت سماعك اسم الله خالقك .

     أرايتم كيف أن معرفة الوصايا دون العمل بها لا تفيدنا شيئاً .

     فسبيلنا ايها الأحباء أن لا نكتفى بالقول عن العمل . بل نداوم عليه عاملين بوصايا إلهنا . مضرمين إرادتنا بنار محبته تعالى . مثابرين على الصلاة والصوم ومساعدة الفقراء مواظبين على الكنيسة لأجل الصلاة ثم تناول الأسرار المقداسة بالاستعداد المطلوب كل حين . لكن ننال الحياة الدائمة فى ملكوته الابدى . له المجد إلى الابد . أمين .