Search

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الاثنين من الاسبوع الاول من الصوم الكبير

من العظات الذهبية

تقرأ بعد انجيل قداس يوم الاثنين من الاسبوع الاول من الصوم الكبير

تتضمن الحث على الاتضاع وزم الكبرياء والتحذير منها .

مرتبه على قوله تعالى بفصل الإنجيل :

" إذا اراد أحد أن يكون أولا فيكون أخر الكل وخادما للكل "

( مر 9 : 33 – 50 )

     أرايت يا صاحب كيف تداوى الأمراض بأضدادها . وكيف يمنح ذوو الامراض بإستعمال هذه الادوية ما يطلبون ويشتهون . كما يوافق ذواتهم فى تلك الحياة الدائمة . وليس كما يوافق طلبتهم وشهوتهم فى هذه الحياة الزائلة . فكما داوى هنا محبى التقدم والرئاسة على من سواهم لقوله " إذا اراد أحد أن يكون أولا . فيكون آخر الكل " كذلك صنع فيما تقدم مع محبى المال ومحبى المجد الباطل . فقال : " إن كنت تتظاهر بالصدقة والصلاة والصوم لتظفر بالشرف . فلا تصنع هكذا لئلا تضيع تعبك . لكن أعمل ذلك فى خفية لتظفر بمطلوبك كما ينبغى فى الوقت المناسب " ( مت 6 : 1 – 18 ) .

     وقال أيضا : " إن أردت أن تكثر من مالك لتستغنى . فلا تكثره فى هذا العالم . بل افتقر ههنا لنستغنى بكنوزها هناك " ( مت 6 : 19 – 21 ) .

     وقال أيضا : " إن اردت التقدم على الكل فاختر المرتبة الأخيرة الحقيرة لتظفر بالمرتبة الأولى العظيمة " ( مر 9 : 33 – 35 ) وذكر الأمرين معا لنهرب من الردى ونطلب الجيد . وذكر الأمم لأنهم كانوا مرذولين بسبب رداءة أفعالهم .

     إذن تلك الرئاسة الباطلة هى رئاسة الخوف والاضطرار ولذلك فإنها تزول بسرعة . أما الرئاسة الناتجة عن الإتضاع فهى من الإختيار ولذلك تثبت . فإن القديسين الكبار الذين كانوا يتضعون أكثرهم الذين كانوا أعظم من كل الناس . وهم الذين لم يبطل انتقالهم من هذه الحياة شرفهم . بل ظل ذكرهم يثبت متزايدا ويدوم إلى الانقضاء .

     وإنى لأعجب من المتكبر بالرئاسة الباطلة . لأنه من جهة تكبره لا يرى الناس شيئا . ويتوهم أنه لا يوجد أحد فى طبقته . وأن ليس أحد يستحقها سواه . ومن جهة طلبه الرئاسة والشرف الباطل فإنه يتظاهر لكل أحد ويطلب منه ذلك . فهو يطلب الشرف من الذى لا يراه شيئا . وهو مستعبد لضعفات كثيرة كالغضب والحسد وايثار الرئاسة والشرف .

     أما المتضع النفس فهو غير منفعل بشئ من ذلك . فمن هو إذن العالى ؟ ومن هو المنخفض ؟ أهو المتعالى المنفعل ؟ أم المنخفض الذى هو ليس منفعل ؟

     حقا أن الطائر الذى وقع فى يد الصياد ليس هو العالى . وإنما الذى لا يقع فى يد الصياد هو العالى . وقد عرفنا ذلك سيدنا عندما قال " ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو " ( لو 10 : 19 ) فإن ذاك الذى كان عاليا قويا سقط بتشامخه حتى صار ينسحب على الارض ويدوسه الارضيون . والإنسان الذى كان على الأرض ضعيفا ارتفع بإتضاعه حتى أعدت له السماء أرضا . ووطئ قوة ذاك الذى كان عاليا . فمن هو الذى يذل ؟ أهو الذى يحاربه الله القوى وحده ؟ أم الذى يعينه تعالى ؟ معلوم أنه المحارب لا المعان . وقد قال الكتاب : " إنه تعالى يقاوم المستكبرين ( يع 4 : 6 ) . " ويعطى نعمة للمتواضعين " ( أم 3 : 34 ) وقال الله تعالى : " إلى هذا انظر . الى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامى " ( إش 66 : 2 ) . فأيهما الطاهر العالى ؟ أهو الذى يكون قربانه مقبولا لدى الله ؟ أم هو الذى يرفض قربانه ؟ . قال النبى : " ذبائح الله هى روح منكسرة . القلب المنكسر المنسحق يا الله لا تحتقره " ( مز 51 : 17 ) . وقال ايضا : " مستكبر العين ومنفتح القلب لا أحتمله " ( مز 101 : 5 ) فالمتكبر يعاقب مع الشيطان كما قال الرسول : " يجب أن يكون الاسقف .. غير حديث الايمان لئلا يتصلف . " يتكبر فيسقط فى دينونة ابليس " ( 1 تى 3 : 2 و 6 ) . وقد تسبق عقوبته هنا عقوبته هناك مع المحال . كما حدث لفرعون الذى تعظم وقال : " لست أعرف الرب " ( خر 5 : 2 ) . فأستهانت به الضفادع والذباب وغرق فى البحر مع جنوده وسلاحه وخيوله ( خر 14 : 28 ) . أما ابراهيم فكان على العكس إذ قال : " أنا تراب ورماد " ( تك 18 : 27 ) . وكان يعلو دائما لتمسكه بفضيلة التواضع . فإنه وقع فى يد المصريين وغيرهم ثم نجا ظافرا .

     طلب الانسان الأول المساواة بالله وهى فوق قدر الانسان . فأضاع ما كان له . فالكبرياء إذن تنقص ولا تزيد . أما الاتضاع فأنه لا ينقص من قدرنا شيئا بل يضيف الينا ما هو ليس لنا .

     فسبيلنا أن نهرب من الكبرياء ونتمسك بالتواضع لنستريح فى العاجل ونشرف فى الآجل . بنعمة ربنا وإلهنا يسوع المسيح . الذى له المجد مع ابيه الصالح والروح القدس إلى البد . آمين .